الحلقة الرابعة : رقصة الأشجار
على حافة غابة هادئة، كانت ليلى تجلس تحت شجرة ضخمة، جذورها ضاربة في الأرض وكأنها جزء من الزمن نفسه، بينما تتمايل أغصانها بخفة كأنها تحيي الرياح برقصات بديعة. لم تكن ليلى مجرد متفرجة على هذا المشهد، بل كانت تتأمله وكأنها تبحث عن إجابات لأسئلة حياتها المربكة.
نشأت ليلى وهي تؤمن أن الثبات هو الطريق الوحيد للأمان. كان عليها أن تكون قوية، صامدة، لا تنحني أمام العواصف مهما كان الثمن. لكن الحياة، كعادتها، لم تكن رحيمة. كلما حاولت ليلى الوقوف بثبات، اجتاحت حياتها رياح متغيرة تقوض إحساسها بالسيطرة. تركها ذلك متعبة، مشوشة، وكأن العالم بأسره يختبر قدرتها على المقاومة بلا توقف.
في ذلك اليوم، كانت الرياح تعصف بقوة بين الأشجار. رفعت ليلى عينيها نحو السماء، فرأت الأغصان تتمايل يمينًا ويسارًا بمرونة مدهشة. لم تكن الأشجار تخاف من الرياح، بل تعاملت معها وكأنها شريك في رقصة غير مرئية. انحنت أغصانها لتسمح للريح بالمرور، لكنها لم تنكسر.
اقرا ايضا الغنايم تتحرك مبكرًا نحو البرلمان
اقرا ايضا المعركة انتهت،والحرب قائمة
للحظة، شعرت ليلى بالغضب من هذه الصورة. لماذا يبدو كل شيء بسيطًا لهذه الأشجار بينما هي تحمل عبء البقاء صامدة حتى الانهيار؟ وقفت وسارت نحو أقرب شجرة، ولامست جذعها الصلب، لكنها لمست أيضًا اللين في أغصانها. كيف تستطيع الشجرة أن تجمع بين القسوة والمرونة؟
قررت ليلى أن تمكث طويلاً في الغابة، أن تراقب كل التفاصيل. لاحظت جذور الأشجار التي تمتد عميقًا تحت الأرض، تجلب لها الغذاء والدعم. أدركت أن تلك الجذور، مثل جذورها النفسية، هي مصدر قوتها. لكنها لاحظت أيضًا أن الشجرة لا تعتمد على جذورها وحدها. الأغصان الراقصة مع الرياح تعلمها أن القساوة المطلقة ليست حلًا، وأن المرونة يمكن أن تنقذها في وجه العواصف.
بدأت ليلى تسأل نفسها: لماذا أتشبث بالكمال والصرامة، بينما الحياة مليئة بالتغيرات؟ لماذا أخشى الانحناء؟
في تلك اللحظة، أخذت نفسًا عميقًا وأغمضت عينيها، محاولةً أن تشعر بما تشعر به الأشجار. فكرت في الصعوبات التي مرت بها، وكيف قاومت حتى النهاية دون أن تسمح لنفسها بفرصة التأقلم أو البحث عن طرق جديدة للتعامل مع الحياة. فتحت عينيها، وقد بدأ شيء بداخلها يتغير. أدركت أنها يمكن أن تكون مثل الشجرة: متأصلة في جذورها، لكنها في الوقت نفسه قادرة على التحرك مع تيار الحياة دون أن تفقد جوهرها.
مع مرور الوقت، أصبحت ليلى أكثر وعيًا بكيفية مواجهة متغيرات الحياة. لم تعد تصرّ على المقاومة العمياء. بدأت تقبل التغيير كجزء لا يتجزأ من التجربة، وسمحت لنفسها أن تتمايل أحيانًا مع رياح الظروف دون خوف من أن تتحطم.
وفي كل مرة شعرت فيها بأن الحياة تضغط عليها، كانت تعود إلى الغابة، إلى تلك الأشجار التي تعلمت منها رقصة القوة والمرونة. تجلس تحت أغصانها المتمايلة وتستمد من جذورها الصلبة الثبات، ومن تمايلها درسًا عن التكيف. لم تعد الأشجار مجرد منظر طبيعي في عيني ليلى، بل أصبحت مرشدًا يذكرها دائمًا أن القوة الحقيقية تكمن في التوازن بين الجذور العميقة والمرونة مع رياح الحياة.
تعليقات
إرسال تعليق