القائمة الرئيسية

الصفحات

صداقة لا تذبل 

       كانت صداقتهما أشبه بنسيجٍ متين، حُبك من خيوط الوفاء والإخلاص. أحمد ومصطفى، روحان جمعتهما دروب الطفولة، يدرسان في الصف الرابع الابتدائي، لا يفترقان ولا يختلفان. أحمد كان قصير القامة، ممتلئ الجسد، يحمل على عينيه نظارتين تعكس ضعف بصره. لكن قلبه كان مرهفًا كوترٍ يُداعب أنغام الطيبة والعطاء، يخفي وراء تفوقه الدراسي أوجاعًا لا يدركها إلا القريبون منه. مصطفى، صديقه الوفي، طويل القامة، وسيم الملامح، مشرق بابتسامته، يشع حُبًا لصديقه أحمد ويفتخر بصداقته التي تبدو كأنها هبة من السماء.  
     وفي صباحٍ هادئ، بينما يترافقان إلى المدرسة، ظهرت أمامهما مجموعة من الأولاد الغرباء. لم يكن في قلوبهم سوى عبث الطفولة الجاف، فأطلقوا على أحمد كلمات جارحة مستهزئين بجسده وقصر قامته. وقف مصطفى حائرًا، يهمس بصوتٍ خافت: "دعنا نبتعد عنهم، فلا خير في جدالهم." لكن أحمد، وقد اشتعلت مشاعر الغضب في داخله، ردّ بحنق: "أكنتَ حقًا صديقي؟ تهرب ولا تدافع عني!"  
لحظة من سوء الفهم، ويد أحمد تفقد السيطرة، فتسقط على وجه مصطفى صفعةً تحمل ألمًا أكثر من الغضب. كُسر الرابط، وتفرّقت الأرواح، ليبدأ كل واحد منهما رحلةً من الصمت والحزن.  
     مرت الأيام ثقيلة، وأحمد يغرق في اكتئابٍ جعله عاجزًا عن مجاراة دروسه. أما مصطفى، فقد كان يجد في ذكريات صديقه عبئًا على قلبه، يسترجع صورهما وهو يشعر بندمٍ عميق.  
    وفي صباحٍ ربيعي، وبين أزهار الربيع التي تملأ الأفق، طلب الأستاذ من طلابه المشاركة في سباقٍ زوجي. جمع القدر بين أحمد ومصطفى ليكونا في مواجهةٍ جديدة. عند خط البداية، تلاقَت نظراتهما كأنها محاولة صامتة لتصفية القلوب. أحمد، كان وجهه شاحبًا وجسده يتأرجح كأنه يحاول الصمود، ولكن قبل أن يُطلق الأستاذ صفارة البداية، انهار أحمد فجأة وسقط أرضًا. مصطفى لم يتمالك نفسه، فصرخ من أعماق قلبه: "صديقي أحمد!"  
    نُقل أحمد إلى المستشفى في حالةٍ حرجة. غيبوبة فرضت صمتًا ثقيلًا على الأجواء. مصطفى، الذي لم يفارق سرير صديقه، كان يبحث يوميًا عن أي أمل لإنقاذه. وفي ليلةٍ مشوبة بالأرق، عثر على طبيب كندي متخصص في علاج مرض السكري عبر زراعة الخلايا الجذعية، فقرر مصطفى التواصل معه رغم كل التحديات.  
     الطبيب، بعدما سمع القصة، تأثر بإخلاص مصطفى لصديقه ووافق على علاج أحمد مجانًا، بل تكفل بمصاريف السفر والعلاج. وبعد عشرة أيام من الغيبوبة، استفاق أحمد ليعلم بما قام به مصطفى من أجله. كانت دموعه لغة الاعتراف بالحب والامتنان، وعادت الأرواح لتتحد كما كانت.  
    سافر أحمد مع والدته إلى الخارج، ونجحت العملية الطبية بامتياز. عاد إلى وطنه، واستأنف دراسته بجانب مصطفى، حتى لحظة النجاح في امتحان البكالوريا التي كانت أشبه بعرسٍ للصداقة. تعانق الاثنان والدموع تنساب من أعينهما، لتروي قصة وفاءٍ لا تُنسى.  
كما يقول المثل:
الصديق وقت الضيق

كتبتها الأستاذة 
خديجة آلاء شريف 
قصة من وحي الخيال وأي تشابه تلمسونه في الواقع هو محض صدفة

تعليقات