القائمة الرئيسية

الصفحات

إعصار في دوامة التيه
كان صبيا نشيطا يملأ الحي بحركته وضحكاته ، لم يكن يعي ما ينتظره من محن ومصائب ،نشأ بلا ظل أبوي ،فالطلاق لم يكن مجرد انفصال للوالدين بل كان "طلاقا للأبناء ".
فالأب تجاهل ابنه ولم يهتم له يوما.
الأم حاولت كثيرا سد فجوة الفقد فكانت أما وأبا بل الجدار الثابت الذي يسند ابنها رغم كل التحديات .
الإبن بدأ يكبر والمسؤولية بدأت تتضاعف الأم تفكر دائما في مصير ابنها وهي تعلم أن هناك دورا لا يمكنها تقمصه في هذه المرحلة، والأب غائب كليا .
بدا الطفل يكبر يوما بعد يوم وحاجاته تكبر معه .
لكنه كان يشعر بالفقد .
مرت السنوات وبدأت علامات التراجع تظهر عليه.
لم يعد مهتما بدراسته ،وبدأ سلوكه ينحرف ،شلة اصدقاءه تضاعف عددها ،رفقة السوء التي تجرف بصاحبها الى مستنقع الآفات،فعلا الصاحب ساحب لقد سحبوه الى عالمهم ،وجد نفسه في وسط لا يشبهه،لكنه سرعان ما انغمس في حياتهم واندمج في جوهم الكدر .
لقد تغيرت حياته تدريجيا كالليل الذي يهبط ببطء فيتحول اللون من المشرق المضيء الى اللون الخافت فالمعتم ،لقد سرقت منه حيويته وصباه .
إنها المخدرات بوابته الى الغياب الكامل .
لم تكن مجرد مادة يتعاطاها، بل وجد فيها سبيلا لنسيان همومه التي التسقت به منذ طفولته .
بدأ خوف الأم على ابنها يتضاعف يوما بعد يوم .مما تسبب في إرهاق جسدها وأصيبت بالمرض قهرا على طفلها الضائع كانت تدعو له كل يوم بالهداية لكن الإعصار جرفه تماما.
في إحدى الليالي الحالكة و في لحظة ريب ...جلس أمام المرآة ، وبدأ يتأمل ملامح وجهه التي بدت له غريبة منهكة ومتعبة، بفعل الجري خلف الأوهام ،كانت عيناه ذابلتين شاحبتين كما لو أن الروح بدأت تسحب من جسده سحبا.
بدأ يتساءل ما الذي أوصلني الى هذه الدوامة؟ ما سبب دخولي الى هذه المتاهة التي لا مخرج لها؟
تذكر وجه أمه التي احتضنته دوما حينها كانت ترسم له طريقا نحو النجاح،تذكر دفء بيت قد تجمدت أسواره، ومدرسة باتت حلما، إنه عاصفة بدأت تطارده نحو الضياع .
لقد فات الآوان الآن لا يمكن التراجع حيث أنك جزء من هذا العالم.
ارتجف فؤاده هنيهة ،ثم تنهد بعمق كأنه استسلم لصوت الضياع الذي أغرقه الى الأعماق،
هل هناك فرصة ثانية لكي يخرج من ضيق المخدرات والآفات؟أم انه لم يعد هناك سبيلا للعودة؟
العاصفة لم تهدأ ، ولم يكن هناك من ينتشله من الطين الذي انغمس فيه.
لكن ربما في مكان ما هناك يد ملاك منقض قد ينقضه في اللحظة المناسبة ، إن لم يكن قد مضى وقت طويل على ذلك .
بقلمي الأستاذة خديجة آلاء شريف 

تعليقات