القائمة الرئيسية

الصفحات

حسام حبيب يُفاجئ الجمهور ويُربك الخوارزميات: "سيبتك" تتخطى المليون ويوتيوب يتخذ قراراً صادماً... والفنان يُعيد توزيعها بقواعد جديدة تُشعل المزيكا من جديد!



الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 


في زمن الموسيقى السريعة والمواسم العابرة التي تأتي وتذهب كنسمة صيف غير متوقعة، وقف النجم العالمي حسام حبيب بكل هدوء الواثق وأطلق أغنيته الجديدة "سيبتك"، الأغنية التي لم تكن مجرد عمل غنائي عادي يُضاف إلى أرشيفه الفني، بل كانت عودة نارية وذكية وحقيقية إلى الساحة، بعد فترة غياب شعر فيها الجمهور بفراغ واضح، وكأن اللون العاطفي الرصين الذي يُجيده حسام بطريقته الخاصة قد خفت، وفجأة تعود الحياة إلى هذا النمط بصوتٍ ناعم يصرخ من وجع، وبكلمات تكشف حقيقة العاطفة المكسورة خلف الابتسامات، ومع تخطي الأغنية حاجز المليون مشاهدة خلال أيام قليلة فقط، وانفجار التفاعل العاطفي معها عبر السوشال ميديا، 


لم يكن أحد يتوقع أنّ المفاجأة التالية لن تأتي من الأغنية نفسها، بل من منصة يوتيوب التي قامت بشكل مفاجئ وغير مفسر تماماً بتغيير طريقة عرض الفيديو ضمن خوارزميات التوصية، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في انتشاره التلقائي، وهو ما اعتبره كثيرون قراراً صادماً وغير مفهوم، خصوصاً وأن الأغنية أثبتت شعبيتها ونجاحها وجاذبيتها الجماهيرية من اللحظة الأولى، فما كان من حسام حبيب، الفنان الذي لا يقبل بالوقوف عند الحواجز، إلا أن واجه القرار بجرأة غير مسبوقة، وأعاد طرح "سيبتك" بتوزيع موسيقي جديد ومختلف كلياً، توزيع يحمل في نغمه نَفَساً جديداً، ومزاجاً موسيقياً أكثر حزناً ووضوحاً، ليُثبت أنّ الفن الحقيقي لا يُقيد ولا يُكتم، وأن الصوت الصادق دائماً ما يجد طريقه نحو القلوب مهما حاولت الخوارزميات أن تُخفّض من وميضه.


أغنية "سيبتك": رسالة فنية ذات طابع نفسي عميق، تُخاطب الروح المجروحة، وتُفسّر الواقع العاطفي بانكساراته الموجعة


"سيبتك" من كلمات الشاعر أدهم معتز، وألحان تامر علي، وتوزيع أحمد وجيه، وهي لا تمثل فقط التعاون الأول بين حسام حبيب وشركة روتانا العملاقة، بل تجسّد حالة وجدانية نادرة باتت تغيب عن المشهد الغنائي العربي، حيث لا صوت يعلو فوق إيقاع الرقص والإلكترونيات، فجاءت هذه الأغنية لتُعيد تشكيل المشهد، بصوت عاطفي شفاف وكلمات لا تخجل من عرض الضعف الإنساني، بل تعتبره قوة صريحة، فالنص الغنائي الذي يبدأ بعبارة "سيبتك تقول عليا حاجات ماكنتش فيا" يرسم مباشرة صورة إنسان تعرض للظلم العاطفي والتشويه بعد الانفصال، فيُفجّر سؤالاً وجودياً: لماذا يتحول الحبيب بعد الفراق إلى خصم يلفق التهم؟ 


ولماذا يصبح الذي أحب بكل صدق هو المتهم الأبدي أمام الآخر؟، وهذه الحالة النفسية التي يرسمها حسام بصدق هي ما يعرف في علم النفس بـ"اللوم العكسي"، حيث الضحية تُحمّل خطأ الانهيار وتُدفع لتصديق الأكاذيب التي يلفقها الطرف الآخر كي يُخفف من ذنبه، ولعل البيت الذي يقول فيه "من حبي فيك أذتني، وجعتني بيك لقيتني، عايش حكاية غيرتني" يُعبّر بدقة عن التحوّل الداخلي الذي يعيشه أي إنسان أحب من قلبه وتحوّل الحب لجرح دائم، وجُرحه مش بس انكسر بل تعلّم، وكلّ هذا يجعل من "سيبتك" أكثر من أغنية، يجعلها درساً عاطفياً مغلفاً بالأنغام، ومرآة لكل شخص مرّ من جحيم الحب النرجسي وفكر يرجع وما قدر.


القرار الصادم من يوتيوب... وجرأة حسام بالرد الفني تُحدث ثورة في الطريقة التي نفهم بها "الانتشار"


ما فعله يوتيوب بتعديل خوارزميات الفيديو بشكل أثّر سلباً على الأداء العام للأغنية، هو تصرف اعتبره كثيرون نوعاً من العبث غير المبرر، خصوصاً مع فنان مثل حسام حبيب الذي لا يطرح أعماله كل يوم، بل يختار كل كلمة وكل لحن بعناية مفرطة، لذلك فإن جمهور حسام لم يتقبل هذا القرار بسهولة، ولكن ما أثار الإعجاب أكثر هو رد فعل الفنان نفسه، إذ لم يدخل في سجال تقني أو نقد علني، بل ذهب مباشرة إلى ساحة المعركة الفنية، وأعاد طرح "سيبتك" بتوزيع جديد، 


وكأنه يقول: "إن لم تسمعوني على طريقتكم، سأجعلكم تسمعوني بطريقتي"، وهذه الخطوة ما كانت إلا تأكيداً على أن حسام حبيب مش فنان بيغني وبس، بل هو مهندس ذوق، يُدرك متى يُهاجم ومتى يُبدّل خطته، وفي هيدا التوزيع الجديد، صارت الأغنية أكثر جرحاً، أكثر صدقاً، وصار الكلام أكثر قسوة، لكن بنفس الوقت أكثر شجاعة، وكأنها وجه آخر من الحقيقة التي كانت مخبأة بالمرة الأولى، ما يدل على أن العمل الفني، تماماً مثل المشاعر، لا يُقاس بعدد المشاهدات، بل بعدد الوجوه التي تغيّرت بعد الاستماع، وعدد القلوب التي اختنقت ودمعت لأنها وجدت نفسها بين السطور.


"سيبتك" ليست مجرد عتاب... بل مانيفستو للوجع المعاصر وأداة علاج عاطفي مُبطّنة بلحن حزين


الرسالة الحقيقية من "سيبتك" ليست فقط أن الإنسان ينكسر، بل أن الانكسار لا يجب أن يُخجلنا، بل يُنضجنا، وأن كل وداع فيه درس، وكل جرح فيه ضوء، فالأغنية تسير كأنها رسائل مفتوحة بين اثنين: الأول لا زال يحب رغم الألم، والثاني قرر الرحيل وتحويل كل شيء إلى رماد، وهنا تظهر النصيحة الكبرى التي يمكن استخراجها من هذا العمل، وهي أن الإنسان عندما يجد نفسه في علاقة تستهلك روحه وتحوّله إلى نسخة باهتة من نفسه، عليه أن يتخذ القرار الجريء بالخروج، حتى لو تَرك وراءه أحلاماً قد بناها بكل تفاصيلها، فالحب لا يُقاس فقط بالذكريات، بل بالراحة النفسية،


 وبالأمان، وبالاحترام المتبادل، وإن اختفى أيّ من هذه العناصر، فإن البقاء لم يعد وفاءً بل أصبح استنزافاً خطيراً للنفس، ولذلك فإن كلمات مثل "طب ليه بموت بإيديه؟ معقول خلاص نهيتها؟" هي صرخة داخلية تُشبه صرخات كل شخص قال لنفسه ألف مرة إنه قوي، لكنه في الواقع كان عم ينهار بصمت، وهذه الأغنية تُشبه اليد التي تمتد نحو هؤلاء، وتقول لهم: "أنا فهمتكن... وأغنيتكن".


ألبوم الصيف: المشروع القادم الذي يُمهّد لولادة جديدة من الصوت والرؤية


"سيبتك" ليست سوى فاتحة مشروع فني ضخم يَعد به حسام حبيب جمهوره، حيث أعلن أن ألبومه المقبل سيصدر على جزأين، كل جزء يضم خمس أغنيات، ويتعاون فيها مع ألمع الأسماء في الكتابة واللحن والتوزيع مثل تامر علي، نابلسي، أمين نبيل، أدهم معتز، إبراهيم شتا، وأحمد يوسف، وهذا التنوّع الكبير في فريق العمل يؤكد أن الألبوم لن يكون مجرد سردية غنائية تقليدية، بل تجربة موسيقية مدروسة تُغني المشهد العربي، وتُعيد تموضع حسام كأحد أهم الأصوات العاطفية المعاصرة في الوطن العربي، لأنّه لا يغني ليُبهر، بل يُغني ليُداوي.


وفي نهاية هذا المشهد الموسيقي المتقلب بين قرارات تقنية مفاجئة وإبداع إنساني حقيقي، يبقى حسام حبيب الفنان الذي كلما قالوا إنه انتهى، عاد بصوتٍ أنضج، وأصدق، وأكثر تأثيراً، لأنه ببساطة فنان لا يُجيد سوى أن يكون نفسه، والصوت الذي يكون صادقاً مع نفسه، لن يحتاج إلى دعم الخوارزميات كي يَصِل، لأن القلوب الصادقة هي الخوارزمية الوحيدة التي لا تخطئ أبداً.

تعليقات