الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في زمن بيجرى فيه المحتوى بسرعة البرق، واللحظة بقت بتعدّي أسرع من غمضة عين، فجأة لقينا مشهد قديم، بسيط في شكله، لكنه عميق في مضمونه، بيرجع للواجهة تاني، ويكسر الدنيا على التيك توك، كأن الزمن لسه بيكافئ الناس اللي بتشتغل بضمير وتحط إحساسها قبل أى حاجة. المشهد ده كان للنجم القدير حجاج عبد العظيم من مسلسل "فهد البطل"، المشهد اللى يمكن عدى زمان على الشاشة، بس لما رجع دلوقتي، رجع بالقوة كلها، بوهجه، بإحساسه، وبكاريزما ممثل فاهم هو بيقول إيه، وبيقول لمين، وبيقول ليه.
حجاج عبد العظيم، الممثل اللي عمره ما كان بيجري ورا بطولة ورقية، لكن دايمًا كان بيركّز في دوره، في تفاصيله، في النبرة، في النظرة، في الوقفة، فجأة لقيناه بيكسر التريند بمشهد قصير، أقل من دقيقتين، لكن كل ثانية فيهم كانت مرسومة بريشة فنان بيعرف إمتى يتكلم، وإمتى يسكت، وإمتى يخليك تبكي، حتى لو هو بيضحك. المشهد اتعمل له مئات الآلاف من الريميكسات والمونتاجات على تيك توك، وكل فيديو فيهم كان بيحاول يوصل لعمق اللي قاله حجاج، بس الحقيقة إن الأداء كان أكبر من أي تعديل، لأن اللي اتقال طالع من ممثل مخضرم، شايل سنين خبرة، وعارف كويس إن قوة المشهد مش في صوته العالي، لكن في الكلمة اللي بتتقال بإحساس.
الجميل في الموضوع، إن جيل كامل من الشباب اللي يمكن ما اتفرجوش على المسلسل وقت عرضه، بدأوا يسألوا: "إيه المسلسل ده؟ وده مين؟ وازاي عدّى علينا المشهد ده من غير ما نحس بيه زمان؟"، والإجابات كلها كانت بتدور حوالين جملة واحدة: "ده حجاج عبد العظيم يا جماعة.. مش مجرد فنان كوميدي، ده ممثل تقيل بيحط روح في كل مشهد". واحد من الفيديوهات اللي انتشر بشكل مرعب على التيك توك، كان عليه تعليق بيقول: "الراجل ده قال كلمة واحدة وجاب بيها تاريخ البطل كله من غير ما نحس"، وده ملخص الحقيقة، لأن المشهد اللي اتقال فيه الجملة دي، كان فيه اختصار لقصة، وسرد لحالة، ولمسة حقيقية من وجع، وأمل، وجدعنة، وسخرية كلها امتزجت ببساطة وأداء لا يُدرّس، لكنه يُتعلّم.
حجاج عبد العظيم، رغم إنه دايمًا بيتصنّف كممثل كوميدي، لكن في المشهد ده، ورانا إن الفنان الحقيقي مش بينحصر في لون، ولا بينحط في قالب، وإن الراجل ده ممكن يضحكك لحد ما تنسى همومك، وفي نفس اللحظة، يحطك قدام مراية نفسك، ويخليك تعيد حساباتك. يمكن التريند اللي حصل للمشهد، والكمية المهولة من الريأكشنات اللي نزلت عليه، والتقليد اللي عمله شباب من كل البلاد، مش بس في مصر، ده كمان في الخليج ولبنان والأردن، يثبت إن الكلمة الحقيقية بتعيش، حتى لو فات عليها سنين، وإن الممثل الشاطر بيخلّي الكلمة دي ما تموتش، تفضل عايشة جوه المشاهد، وتطلع في اللحظة اللي محتاجين نسمعها فيها.
أما عن المسلسل نفسه، "فهد البطل"، فهو كان من المسلسلات اللي فيها توليفة اجتماعية وإنسانية وعاطفية، وكان بيضم كوكبة من النجوم، بس المشهد اللي رجع بقوة ماكنش من بطولة فهد، لكن من لحظة صريحة، رجولية، موجعة، صدرت من شخصية حجاج عبد العظيم، واللي كانت دايمًا في ضهر البطل، مش بتتكلم كتير، لكن لما بتتكلم، بتقلب المعادلة. والمثير، إن الجمهور ما اكتفاش بالمشهد، ده الناس بدأوا يدوروا على الحلقات كاملة، ويعملوا أرشيف للمسلسل، كأن التيك توك رجع الذاكرة الجماعية للناس، وقالهم "استنوا.. كان فيه ذهب عدّى من قدامكم وما خدتوش بالكم".
وفجأة، رجع اسم حجاج عبد العظيم للصدارة، مش بس كنجم كبير، لكن كصوت تمثيلي بيعرف يقف وسط العاصفة ويقول كلمته من غير ما يصرّح، ومن غير ما يطلب اهتمام، فالتقدير جه له من الشارع، من التفاعل الطبيعي، من الناس اللي شافت المشهد عشر مرات، وكل مرة بتحس بيه أكتر. المشهد رجّع ناس كتير تتكلم عن الجيل الذهبي من الفنانين، اللي اشتغلوا في صمت، وأبدعوا في هدوء، وسابوا بصمتهم في قلوبنا قبل عقولنا، وإنه مش دايمًا اللي بيتصدر المشهد هو البطل، أوقات كلمة بسيطة من ممثل صادق، بتقلب المعادلة وتخلّي الناس ترجع تفكّر، وتعيد تقييم، وتعيد اكتشاف مواهب كانت دايمًا حوالينا، بس احنا كنا مشغولين عنها.
وفي النهاية، المشهد ده مش بس رجّع حجاج عبد العظيم للتريند، ده رجّعنا كلنا لفكرة قيمة الأداء، وصدق الكلمة، وسحر التفاصيل الصغيرة، وقال لنا ببساطة: "اللي بيتعمل بإحساس، عمره ما بيضيع، ولو بعد حين".
تعليقات
إرسال تعليق