وفاء عامر... لما التواضع بيلبس تاج الجمال وخفة الدم بتصير هوليوودية مصرية
لو سألونا عن التواضع كيف بيصير نجمة، وعن الجمال لما يقرّر يكون فعل، مش شكل، وعن خفة الدم لما تمشي على الأرض بعطر أنثى، ما بنعرف نرسم صورة أو نكتب وصف إلا وبيطلع اسم واحد، بيضوي متل قمر وسط سحابة: وفاء عامر. هالنجمة مش بس ممثلة، هي حالة، تجربة إنسانية بتمشي على سجادة الفن من غير ما تنسى إنها بنت بلد، وبنت ناس، وبنت طيبة، ما غلّفتها الشهرة بالبُعد، ولا غلّفها النجاح بالغرور.
من أول ما بتقابلها، من أول نظرة، من أول ابتسامة، بتحس إنك قدام حد بيعرفك من زمان، حد قلبه مفتوح، وحد عيونه صادقة. ما بتتصنّع، ما بتمثّل عالأرض متل ما بتمثّل عالكاميرا، ما بتحب تجرّب تكون غير نفسها، لأنّها أصلاً نفسها كنز. النجمة دي مش محتاجة تتكلم كتير عن تواضعها، كل تصرّف من تصرفاتها بيشرح، بيعلّم، وبيعطي درس في الإنسانية اللي بتلمع جنب الشهرة مش وراها.
وفاء عامر، لما بتدخل لوكيشن تصوير، بتسلم عالكل، من أصغر فرد إنتاج لأكبر مخرج، ما بتفرّق بين اسم معروف واسم مش معروف، ما بتشوف حدا بعيون فوقية، بتشوف الكل من مكان قلبها، مش من مكان نجوميتها. وعلى قد ما هي كبيرة بفنّها، على قد ما هي قريبة بتصرّفها. مش مرّة، ولا مرتين، بل آلاف المرات، شفناها وهي بتسند فنان ناشئ، أو بتضحك مع عامل بسيط، أو بتمشي في مهرجان كبير بنفس الهدوء اللي بتمشي فيه في شارع صغير جنب بيتها في الإسكندرية.
أكتر شي بيخلي الناس تحبها مش بس أدوارها، ولا شهرتها، ولا جمالها، بل خفة دمها العفوية. الإنسانة دي عندها قدرة غريبة على إنها تضحك قلبك من غير ما تحاول، عندها لُطافة نادرة، فيها شبَه من الزمن الجميل، لما كانت النجومية فن وذوق وروح خفيفة. بتقعد معها، بتحكي، بتمزح، بتقاطع، بتضحك، وكأنها بتعرفك من عمر، وبتخلي أي مقابلة معها تتحوّل لمساحة دفء مش بس حوار.
جمالها؟ خلينا نحكي بوضوح، وفاء مش جمال صورة ومكياج، مع إنّها صورة ومكياج لما بدها، بس جمالها الحقيقي بيلمع من جوّا. في إشراقة بتطلع من عيونها، من طريقتها في الكلام، من صوتها الهادئ، ومن لمسة إيدها وهي بتسلم، من قلبها الكبير اللي بيوزع حب من غير حساب. بتعرف تختار إطلالاتها، آه، وبتعرف تحافظ على رشاقتها، أكيد، بس جمال وفاء عامر مش بيروح مع الوقت، لأنه مش مربوط بالسن، مربوط بالجوهر، والجوهر ما بيكبر، بيتألّق.
ومن كل زحمة النجمات، ومن بين آلاف الوجوه، بتضل وفاء عامر وجه ما بيتكرر. مش بس لأنّها فنانة موهوبة، ولا لأنّها صارت نجمة أولى لسنين طويلة، ولا لأنّها ملأت الشاشة حضور... بل لأنها إنسانة قبل كل شي. وكل مرة بيصير فيها حوار معها، أو حفل فيه ظهور لها، أو حتى تعليق بسيط على السوشيال ميديا، بتلاقي ورا السطور بوح عفوي من شخصية صادقة، ما فيها تصنّع، ولا حتى مسافة.
كتير من النجوم بيقولوا: "الناس حبتنا"، بس وفاء عامر بتخليك تقول: "إحنا اللي حبيناها"، من غير ما تطلب، من غير ما تلمّع صورتها، من غير ما تعمل شو مصطنع. ببساطة لأنها عارفة إن المحبة بتجي من القلب، وهي قلبها متعوّد يدي كتير، من غير ما يستنى مقابل.
وفاء عامر... مش بس بنت الفن، دي أمه وبنّاءته ونهضته
لما نحكي عن مسيرة وفاء عامر، نحنا ما عم نوثّق مجرد خطوات ممثلة اتنقّلت من دور لدور، ولا عم نحكي عن فنانة دخلت الوسط عشان تاخد منّه شهرة أو أضواء أو مكانة... نحنا عم نحكي عن سيدة دخلت الفن بإيد، وحملت رسالته بإيد تانية، ومشيت فيه مش كضيفة، بل كأصل من أصوله، كركيزة من ركائز بنائه، كحجر أساس، وكحامية إرث، ومجددة معمار. وفاء ما كانت بس وجه على الشاشة، ولا كانت اسم عابر في شارة النهاية، وفاء كانت وما زالت صاحبة مشروع، صاحبة لغة خاصة، صاحبة كيان فني متكامل، خلق خط جديد في الدراما، ما بيتكرر.
من أول لحظة ظهرت فيها على الشاشة، حسّينا إن فيه صوت مختلف جاي، صوت مش تابع، مش مقلّد، مش ماشي في السرب وخلاص، بل صانعة سربها، قائدة سربها. كل دور لعبته، كان فيه عمق مش مألوف، حرارة مش مستهلكة، ولهجة داخلية بتحكي قبل ما يحكي السيناريو. وبدل ما تقول الفن قدمني، الحقيقة بتقول الفن اتقدّم على إيديها.
وفاء عامر ما كانت أبدًا مجرد فنانة خدت فرص، كانت دايمًا هي الفرصة بذاتها. كتير أعمال لما تقراها على الورق، تقول: عادي، دراما اجتماعية أو قصة مألوفة. بس لما تدخل وفاء، بتحس إن القصة اتغيّرت، إن الشخصية صارت كأنها ناطقة بلحم ودم، وإن المشهد اتولّد تاني من تحت جلدها. عندها قدرة مرعبة على إنها تزرع إنسان حي جوا كل دور، وتخلينا ننسى اسمها الحقيقي، ونعيش معاها الشخصية كأنها الحقيقة الوحيدة في الدنيا.
وما ننسى إن وفاء ما ركضت ورا البطولة المطلقة وهي بتزيح غيرها، بل وصلت لها بعد ما الناس طالبت بيها، بعد ما أثبتت إنها قيمة فنية كبيرة، وإنها مدرسة تمثيل ما بتحتاج عنوان. وفي زمن كانت فيه الدراما محتاجة إعادة تعريف، كانت وفاء عامر من القليلات اللي قدروا يرجعوا للتمثيل روحه، يزرعوا في الدراما نبض الإنسان، ويخلوا من الشاشة مرآة حقيقية للحياة، مش بس للسيناريو.
مين فينا ينسى ملامحها وهي بتصرخ من ظلم، أو دمعتها وهي ساكتة، أو قسوتها الموجعة وهي بتنتقم، أو حنيّتها وهي بتضم ابنها الموجوع؟ مشهد صغير بيكفي يكتب شهادة عبقرية، ونَفَس تمثيلي طويل قادر على إنه يرفع أي عمل مهما كان بسيط ويحوّله لتحفة.
وفاء عامر مش بس أضافت للفن، هي أسّست لجيل يشوف في الفن مسؤولية. ربّت أجيال فنية من غير ما تدّعي إنها أستاذة، وقدّمت صورة المرأة على الشاشة بشكل يحفظ كرامتها، ويكرّس عظمتها، ويعرّي ألمها من غير ما يبتذله. كانت صوت المرأة المكافحة، المُعنّفة، الحنونة، القوية، الأم، الزوجة، العاشقة، المتمرّدة... وكانت دايمًا بتخلّي الدور يخدمها إنسانيًا قبل ما يخدمها مهنيًا.
وفوق كل ده، كانت دايمًا حريصة إن الفن يظل محتفظ بقيمته، ما تشتغلش أي حاجة وخلاص، وما تمدّش يدها على ورق ضعيف، ولا تدخل سباق موسم على حساب رسالتها. كانت تختار، ترفض، تشتغل، تغيب، ترجع... بس دايمًا لما ترجع، بترجع بقنبلة.
هي مش بس ممثلة قدمت أدوار، هي نهضة فنية، هي اللي حملت الشعلة وقت ما غيرها فقدها، وهي اللي خلت الناس تقول: آه، الفن لسه بخير، طول ما في وفاء عامر.
وفاء عامر... بين الجمهور والسوشيال ميديا، لما النجمة تصير مرايتنا اليومية
ما في نجمة عربية قدرت تمسك طرف الخيط اللي بيربطها بالناس وتنسجه بصدق وحب وتلقائية متل ما عملت وفاء عامر. النجمة دي مش بس ممثلة على الشاشة، هي حالة يومية موجودة بكل تفاصيل حياة الناس، من بوست بتنزله الصبح، لتعليق بسيط بترد بيه على معجبة، لموقف إنساني بتشارك فيه من قلبها، من غير زيف ولا بهرجة. وفاء عامر بتفهم الجمهور مش كأرقام، ولا متابعين، ولا لايكات، ولا حتى تريندات... بتفهمهم كأرواح، كوجوه، كناس عندها مشاعر، وانتظار، وشغف.
هي مش بس نجمة بتحب جمهورها، هي بتحس بيه، وبترد عليه، وبتحضنه بكلمة، وبتخليه يحس إنه هو الأساس، وإنه مش منسي ورا الكاميرات. على السوشيال ميديا، بنشوف نجوم بيكتبوا، ونجوم بيشوّقوا، ونجوم بيستعرضوا، لكن وفاء بتتنفّس بين الناس. ما بتتكلف، ما بتتكبّر، ما بتصطنع، بل بتكون هي، بنفسها، بلسانها، بروحها، وبتشارك يومياتها مش عشان تتلمّع، لكن عشان تخلّي اللي بيحبها يحس إنه معها، مش بس بيحبها من بعيد.
في وقت كتير من الفنانين صاروا بيستعملوا السوشيال ميديا كمنصة دعاية، وفاء استعملتها كجسر. جسر بيربط بينها وبين الناس اللي كبروا على أعمالها، وتربّوا على صوتها في الدراما، وبيحبوا ضحكتها، وبيرتاحوا لصدقها. لما تحكي عن أمها، بنحس بأمنا. لما تبارك لحد بنجاحه، بتحفّز الكل. ولما تدافع عن فنان، أو ترد على إشاعة، أو تنزل صورة بسيطة من بيتها، بتحوّل الشاشة الصغيرة لمساحة حقيقية من الحياة.
أجمل ما في وفاء إنها بتعرف قيمة الجمهور. بتفهم إنه هو اللي بيخلق الفنان، وهو اللي بيحب، وهو اللي بيصبر، وهو اللي بيغفر، وهو اللي بيطلب الحقيقة. وعلشان كده هي ما خانتش الحقيقة يوم، ما خذلتش حد حبها، ما طنّشتش سؤال، ولا استعلت على محبة جاية من قلب الناس.
وفاء عامر ما عندها جمهور بس، عندها عيلة اسمها "الناس"، وبتعتبر نفسها وحدة منهم. بنشوف ده في طريقة كلامها في اللقاءات، في تفاعلها على الفيسبوك، في احترامها للميديا، وفي اعتذارها لو أخطأت، وفي فخرها بكل تعليق حلو بيجيها، من أصغر طفل لأكبر مشاهد.
ووسط كل التغيّرات، والضجيج، والزيف اللي عم بيغرق الوسط الفني، وفاء كانت وبتضلّ صوت الحقيقة، والوجه اللي ما بيكذب، والممثل اللي ما بينسى جمهوره، ولا بيبدّل محبته بالترند.
هي مش بس "نجمة هوليوود العرب" من لقب... لأ، هي نجمتنا، اللي واقفة جنبنا، اللي شايفتنا، واللي خلتنا نشوف الفن مش بس كتمثيل، لكن كقلب نابض، وعيون بتشوفنا، وأيادي بتمدّ السلام.
وفاء عامر... الأم اللي لبست تاج النجومية من غير ما تقلع طرحة البيت
في عالم كتير بيقسّم المرأة، وبيفرض عليها تختار بين قلبها ونجاحها، بين أمومتها وطموحها، بين بيتها وسقف حلمها، وقفت وفاء عامر وقالت: "أنا ما راح أختار... أنا راح أكون الكلّ". ومن يومها، وهي فعلاً الكلّ. كانت الأم، والنجمة، والست، والقدوة، والمثال الحيّ إن المرأة مش بس تقدر تجمع، تقدر تبرع، وتقدر تتفوّق، وتعيش كل دور بأمانة، من غير ما تظلم حدا، ولا تنسى نفسها.
اللي بيعرف وفاء عامر من قريب، بيعرف إنها قبل ما تكون فنانة قديرة، هي أم عظيمة. أم حنونة، واعية، صارمة وقت اللزوم، وصديقة أكتر من إنها والدة. قدرت تبني علاقة مع ابنها ما فيها فجوة أجيال، ولا فجوة شهرة، ولا حتى فجوة وقت. وسط تصوير، وقراءات، وسفر، ولقاءات، كانت دايمًا بتلاقي وقت لعيلتها، كانت دايمًا حاضرة، بكلمة، بلمسة، بنظرة، وما مرّ يوم كانت فيه بعيدة عن مسؤولياتها كأم، حتى لو كانت واقفة قدام كاميرا.
وفاء مش بس أم لابنها، هي أم لكل فكرة بتؤمن فيها. أمّنت بدور المرأة بالمجتمع، وصرخت بمشاهد كتير بوجع النساء، ودافعت عن حقوق الأمهات، ووقفت سند لكل واحدة عايشة صراع بين بيتها وطموحها. مش بالكلام، بل بالفعل. لما تتكلم عن الأم، بتحكي من واقع. لما تتكلم عن الست، بتحكي من صميم تجربة، مش من منبر نظري، ولا شعار مرفوع.
والمذهل أكتر، إنها رغم ضغوطات الحياة، وحروب الشهرة، وسكاكين الحسد، ظلت محافظة على بيتها، على احترامها، وعلى توازنها الداخلي. كانت ترفض تجرح بيتها علشان مشهد، أو تهين قيمها علشان شهرة. كانت تشتغل، بس ما كانت تبيع.
ومع كل ده، ما لبست عباءة الضحية ولا مرّة، وما طلعت في دور الست اللي "تعبانة من الجمع بين الكل". بالعكس، كانت دايمًا مبسوطة بدورها، فخورة بإيدها اللي بتمسح عالأب، والابن، والأخ، وبنفس الوقت بتمثل، وبتقدّم، وبتلمع.
ومش ننسى إنها مرجعية نسائية كتير بنات بيشوفوا فيها مش بس نجمة، بل مثل أعلى. واحدة حافظة كرامتها، حافظة لسانها، عارفة تختار لبسها بعقل، ومشيت دايمًا بين الخطوط الحمراء واللي بعدها، من غير ما توقع، ومن غير ما تكسر صورة الست الشرقية، ولا تذوب بالصورة الغربية.
هي الست اللي بتعرف تقول لأ، وقت ما العالم كله بيقولها "خدي"، واللي بتعرف تقول "أنا"، من غير ما تلغي غيرها. زوجة واعية، أم مُلهمة، ست بيت أصيلة، وفنانة رائدة... مين غيرها قدر يجمع هالصفات بصدق، وبدون ما يدّعي؟
وفاء عامر مش بس إمرأة عاشت الحياة، هي إمرأة ربّت الحياة، علّمت بنات كتير إن الفن مش خصم للبيت، وإن الشغل مش عدو للعيلة، وإن الشهرة مش لازم تقتل الحنان. كانت دايمًا البرواز اللي بيرسم صورة الست اللي بنحلم نكون متلها... صورة فيها حب، عطاء، ونجاح، بس من غير ما ننسى مين نحنا.
وفاء عامر... نجمة لازم يُفرش قدّامها سجاد الأوسكار، ويتنحّت تمثالها في قلب وسط البلد
في زمن كتير من الوجوه صار بيتكرّر، وكتير من الأصوات صار بيتشابه، وفي وقت الشهرة صارت بتتوزّع عالسوشيال ميديا متل كوبونات الخصم، بقيت وفاء عامر سلالة نادرة جدًا. مش بس لأنّها فنانة من طراز رفيع، بل لأنها حالة ما بتيجي مرتين، روح فنية ما بتتكرّر، ونموذج لازم نحافظ عليه، مش كرمز للماضي، بل كأمل للمستقبل.
وفاء مش نجمة عادية، دي نجمة لازم يُفرش قدّامها سجاد أحمر موصول من هنا لهوليوود، من وسط البلد لقلب لوس أنجلوس، لأن اللي عملته في الفن مش أقل من أعظم إنجازات السينما العالمية. قدمت مشاهد كانت أقرب للخلود، كلمات طلعت من قلبها دخلت أرشيف القلوب قبل أرشيف التلفزيون، وصنعت من كل دور ملحمة، ومن كل ظهور بصمة، ومن كل شخصية مرآة لوجع الناس وفرحهم وصرخاتهم الصامتة.
هي مش بس تستحق الأوسكار، بل الأوسكار هو اللي ناقصه يفتخر إنه يُهدى لها. لأنه ببساطة، الجائزة الحقيقية كانت دايمًا في عيون الجمهور، في احترام النقاد، في دمعة الأم اللي شافت نفسها في مشهد لها، وفي تنهيدة الأب اللي حس برجولته في أدائها، وفي شغف الطالب اللي بيحلم يكون ممثل من بعد ما شافها.
وفاء عامر مش بس لازم تتكرّم، لازم يُنحَت تمثال لها في قلب وسط البلد، تمثال ما بيمثّل شخص، بل بيرمز لجيل كامل من الفنانات الحقيقيات، النادرات، اللي حافظوا على كرامة الفن، وعلى هويته، وعلى أصالته. تمثال واقف بكل فخر قدام دار الأوبرا، أو قدام معهد السينما، علشان يفضل شاهد على إن مصر، والوطن العربي، جابوا يومًا نجمة بحجم وفاء عامر، نجمة غيّرت الموازين، وكبّرت المفاهيم، وعلّمت الناس يعيدوا النظر في معنى كلمة "فنانة".
والأهم، إن شخصيتها ما لازم تبقى حبيسة الأضواء، لازم تُدرّس. تُدرّس بالمدارس، بالجامعات، وبالمعاهد. مش بس تمثيلها، لكن مواقفها، حضورها، ذكاءها، نظرتها، التوازن اللي حافظت عليه سنين من غير ما تقع، ولا مرة. طلاب الإعلام لازم يعرفوا كيف تتعامل مع الصحافة بإحترام ودهاء، طلاب التمثيل لازم يدرسوا أداءها بالمشهد، وطلاب علم النفس لازم يفهموا كيف قدرت تكون مرآة لمشاعر الناس من غير ما تتورّط في شخصياتها وتضيع.
وفاء عامر مش مجرد اسم عدى على الشاشات، وفاء هي مكتبة كاملة، موسوعة درامية، كتاب مفتوح بين سطور ماضي الفن، وحلم المستقبل. هي مرجعية أخلاقية، مرجعية إنسانية، ومرآة اجتماعية. وكل يوم هي بين الناس، هي مش ساكنة برج عاجي، هي قاعدة عالترابيزة اللي بنقعد عليها، وبنحكي عن الفن، والصدق، والحلم.
هي النجمة اللي لما تمشي على سجادة حمراء، بتحس السجادة حابة تفضل تحتها للأبد، النجمة اللي النجوم بتغار من ضيّها، واللي كل مشهد لها ممكن نعلقه بإطار ونكتب تحته: "هي دي المدرسة". وفاء، مش بس نجمة في سماء الفن، هي قارة مستقلة من الضوء، لازم كل طالب فن يزورها، وكل ناقد يراجع فيها دفاتره، وكل عاشق تمثيل يلاقي فيها طريقه.
وهيك منكون خلّصنا الجزء الخامس، وغطّينا التواضع، المسيرة، العلاقة بالجمهور، الأمومة، والتكريم.
لما تكون وفاء عامر... ما بتمشي، بتمرّ مرور النور
وفي نهاية كل هالكلمات، وبعد كل هالفصول اللي كتبناها عنك يا وفاء عامر، بنكتشف إن الحروف قليلة، وإن الجُمل مهما طالت، مش قادرة توصل لعمقك الحقيقي، لأنك مش بس قصة نجاح، ولا مجرد مسيرة فنية، ولا سيرة ذاتية متل باقي السير... إنتِ ملحمة عاطفية، فنية، إنسانية، وإبداعية، محتاجة تتروى على الأجيال، مش بس تنكتب.
إنتِ النجمة اللي ما لمعت بس بالسماء، لمعت جوا العيون، وجوا البيوت، وجوا الضحكة، وجوا الدراما. نجمة ما كان هدفها تسلّق، بل بناء. ما سعت لعرش، بل حوّلت كل مشهد لإمبراطورية، وكل دور لمملكة، وكل كلمة لنشيد. لما تطلي، نحنا ما بنشوف بس وفاء، نحنا بنشوف حكاياتنا بصوتك، وجعنا في صمتك، فرحنا في ضحكتك، وكرامتنا في وقفتك.
إنتِ الفن لما يكون له ضمير، والنجومية لما تكون متزنة، والحضور لما يكون مليان وقار من غير تكبّر، ورقيّ من غير تكلّف. إنتِ الأم، النجمة، الإنسانة، البطلة، المثقفة، الواعية، الحنونة، القوية... إنتِ كل التناقضات اللي اتجمّعت باتزان رهيب، وصار اسمك حالة ما بتنوصف، وما بتنحصر، وما بتنطفي.
ولما بيقولوا: "الفن العربي بخطر"، منرد ببساطة: "طول ما في وفاء عامر... الفن بأمان".
ولما يسألونا: "مين يستحق تمثال؟"، بنقول: "هي".
ولما طفل صغير يحلم يصير فنان، لازم أول صورة يشوفها بكتابه تكون صورتها، وأول درس يتعلمه يكون من مشهد لها، وأول اسم يحفظه بعد الحروف الأبجدية، يكون وفاء.
فيا وفاء... اسمك بحد ذاته فعل، ووجودك بحد ذاته رسالة، وشخصيتك مادة دراسية مفروض تتضاف لمناهج الجمال، ولصفوف الرقي، ولمنابر الأخلاق.
إنتِ موهبة من ذهب، إنسانة من ضوء، وسيرة لازم تتحوّل لفيلم، أو كتاب، أو مسلسل يحكي مش بس عنك، بل عن زمن حقيقي اسمه "زمن وفاء عامر".
تعليقات
إرسال تعليق