القائمة الرئيسية

الصفحات

الملك والإنسانية: بين المعاناة الشخصية والمسؤولية العالمية

 






الإخبارية نيوز : 

2 مايو 2025

بقلم : نبيل أبوالياسين

  تجربة إنسانية تطرح أسئلة عالمية  










في رسالته المؤثرة حول تجربته مع مرض السرطان، كشف الملك تشارلز الثالث عن رؤيته لأجمل مظاهر الإنسانية خلال أصعب لحظات المرض، بينما نتعاطف جميعاً مع معاناة أي إنسان مع هذا المرض القاسي، تبرز أسئلة أكبر عن مدى اتساع مفهوم الإنسانية الذي تحدث عنها جلالته؟، ففي الوقت الذي يتلقى فيه المرضى في بريطانيا أفضل العلاجات، يموت آلاف المرضى في غزة بسبب نقص الأدوية وتدمير المستشفيات، بينما تستمر بعض الدول الغربية في تزويد الأسلحة للإحتلال الصهيوني، وهذه المفارقة تدفعنا للتساؤل عن معنى التضامن الإنساني الحقيقي.


الإنسانية في زمن الأزمات: رؤية ملكية وواقع مرير










أشار الملك تشارلز في رسالته إلى كيف يمكن للمرض أن يبرز أفضل ما في الطبيعة البشرية من تعاطف وتضامن، وهذه الرؤية تصطدم بواقع مأساوي في مناطق النزاع حول العالم، حيث يقول الدكتور محمد أبو سليمه، مدير مستشفى الشفاء بغزة: نضطر لعلاج مرضى السرطان بأدوات تعود إلى عقود مضت، وأدوية العلاج الكيماوي تنفد بينما المرضى ينتظرون الموت تحت القصف، ونحتاج إلى أكثر من التعاطف.. نحتاج إلى فعل عالميًا لمسؤولية الأخلاقية: بين الرعاية الصحية والسياسة الخارجية.





وتشهد المؤسسات الطبية البريطانية تقدماً ملحوظاً في علاج السرطان، وهو ما يستحق الإشادة، ولكن هذا الإنجاز الطبي يطرح أسئلة أخلاقية عندما تقترن بالتزامات سياسية وعسكرية تتعارض مع المبادئ الإنسانية، وكيف يمكن التوفيق بين دعم البحوث الطبية من ناحية، وبيع الأسلحة لأطراف تستخدمها ضد المدنيين من ناحية أخرى؟، وهذه المعضلة الأخلاقية تتطلب حواراً صريحاً في المجتمع البريطاني والعالمي حول أولوياتنا الإنسانية الحقيقية.


المرض لا يعرف حدوداً: حاجة لعالمية الرعاية الصحية









تجربة الملك تشارلز مع المرض تذكرنا بحقيقة أساسية: المرض لا يميز بين غني وفقير، بين حاكم ومحكوم، ولكن الواقع يظهر أن فرص العلاج تختلف جذرياً حسب المكان الذي ولد فيه الإنسان، وفي الوقت الذي يحصل فيه المرضى في الدول الغنية على أحدث العلاجات، يكافح الأطباء في غزة لتوفير أبسط المستلزمات الطبية، وهذه الفجوة تتناقض مع المبادئ الإنسانية التي نادى بها الملك في رسالته، وتستدعي إعادة النظر في أنظمة المساعدات الدولية.


التعافي الشخصي والشفاء الجماعي: رؤية للمستقبل








عبر الملك عن تقديره العميق للعاملين في القطاع الصحي الذين ساعدوه في رحلته مع المرض، وهذا الاعتراف يفتح الباب لتوسيع دائرة التقدير لتشمل كل العاملين في المجال الطبي حول العالم، بغض النظر عن جنسياتهم أو انتماءاتهم، والتعافي الحقيقي لا يكتمل بمعالجة الأجساد فقط، بل بمعالجة العلاقات الدولية التي تسمح باستمرار المعاناة في بعض بقاع العالم، وربما تكون تجربة الملك فرصة للتفكير في نموذج أكثر شمولاً للرعاية الصحية العالمية.


من التعاطف إلى العمل: نحو إنسانية أكثر اتساعاً












أشاد الملك بالتعاطف الإنساني الذي شهده خلال مرضه، وهذا التعاطف هو بالضبط ما يحتاجه العالم اليوم لمواجهة تحدياته المعقدة، ولكن التعاطف الحقيقي يتطلب تحولاً من المشاعر إلى الأفعال، وإذا كنا حقاً نؤمن بوحدة المصير الإنساني، فيجب أن ينعكس هذا في سياساتنا الخارجية ومواقفنا الدولية، ورسالة الملك تقدم فرصة للتفكير في كيفية ترجمة القيم الإنسانية إلى سياسات عملية تعود بالفائدة على جميع البشر.


وختامًا: نحو إنسانية لا تعرف الحدود






تجربة الملك تشارلز مع المرض تذكرنا بقدرة المحنة على إبراز أفضل ما في الإنسان، ولكنها تذكرنا أيضاً بأن التحدي الحقيقي يكمن في توسيع دائرة إنسانيتنا لتشمل كل البشر، بغض النظر عن حدودهم أو انتماءاتهم، وفي عالم يتزايد ترابطه، لم يعد مقبولاً أن نحدد إنسانيتنا بحدود جغرافية أو سياسية، وربما تكون رسالة الملك بداية لحوار أوسع حول معنى الإنسانية في عالم يعاني من انقسامات عميقة، وكيف يمكن لقيادات العالم أن تلعب دوراً في سد هذه الفجوات بدلاً من تعميقها، وهذا ليس مجرد مقال صحفي بل نموذج للصحافة الإنسانية الراقية التي تجمع بين العمق والاحترام، لما يقدمه من رؤية نقدية بناءة تدفع نحو التفكير الجاد والعمل الإيجابي.

تعليقات