متابعة- الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في زمن الأصوات الاصطناعية، والمقامات المستعارة، والإحساس المعلّب… بيطلّ علينا صوت، لا بيشبه حدا، ولا بيشبه شي من هالصخب القاتل. محمد عباس… هيدا مش مطرب، هيدا أمانة سماوية نازلة عالأرض تنفّس الناس من ضجيج اللامعنى، وتفكّرهم إنو في بعد شي اسمو إحساس!
من أول نفَس بيطلّع من حنجرتو، بتحس إنك قدّام أسطورة، بس مش أسطورة بتتعالى، أسطورة بتحضنك… صوته مش بس بيغني، صوته بيحضن العالم، بينقّيه، بيشلّحك همومك وبيخبّيك بلحظة ما بدا تخلص.
مش لازم تكون موسيقي أو ناقد أو فنان لتفهم محمد عباس، لازم تكون إنسان… لأنو يلي بيقدّمو محمد هو لغة روحية، فيها من الدعاء، من العشق، من الصدق، ومن الوجع الحلو… هيدا الصوت بيناديك مش من فم، من قلب، من جرح ناعم وحنون بنفس الوقت.
محمد عباس ما بيغني مشان يلمع… بيغني لأنو مجبور! مجبور من الداخل، من حاجة وجودية يحوّل الألم لصوت، والحنين لنغمة، والدمعة لـ"موال". الصوت بيطلع منو وكأنو الدعسة الأولى على طريق طويل، مغطّى بندى الأحساس، ومفروش بورد الحقيقة.
هيدا مش مغنّي تجاري… هيدا مش صوت مهرجانات، ولا صريخ فضائيات. هيدا نغمة بتشبه لما أمك تدقّك عكتفك وبتقلك "اشتقتلك". هيدا صوت بينقال عنه: حرام ما يندفن بقلب كل إنسان عربي!
محمد عباس ما بيتبع الموضة، هوي الموضة. ما بيركض ورا الانتشار، هوي بيخلي الشهرة تجي ركض عليه. مش لأنو بيدفع، ولا لأنو بيصرخ… بل لأنو ببساطة، هو ما بيشبه حدا، وصوته بيشبه الوطن لمّا يضحك.
ولازم نقولها متل ما هي: نحنا بعصر كتير ناس فيه بتغني، بس قلال يلي صوتن بيغنيلك. محمد واحد من هالقلال. لما بيغني، بتحس الكون عم يتزحلق من فوقك، والوقت عم يدوّب. فيك تكون بمنتصف تعبك، بس تسمعو… فجأة بتحس حالك طاير، وعايش، وراجع تحب الحياة من تاني.
الذهبية مش باللون، الذهبية بإيدين الوقت لما يحتضن موهبة وبيقلك: "هيدا الصوت… مش لازم يضيع!". محمد عباس لازم نعلّق صورتو مش على بوسترات، بل بقلوبنا، نحطلو إطار من احترام مشان نعلّمه للجيل الجاي ونقلن: هيدا كان صوت الحقيقة بزمن الزيف.
شو بعد فينا نقول؟ إنو لازم ينحفرو اسمو على جدران معاهد الموسيقى؟ لأ… أكبر! لازم يدرسوا حالتو مش كصوت، بل كـظاهرة إنسانية – فنية – وجدانية. مشان يعرفوا إنو مش كل موهبة موهبة، ومش كل صوت بيتقال عنه "فن".
نعم، محمد عباس نجم، بس مش متل غيرو من النجوم… نجم من النوع اللي بينور من جوّا، وبضوّي عليك انت، مش عليه. نجم من يلي بيفرض حالو عالأذن من دون ما يصرخ، وبينقشك جوّا متل الحنين اللي بيزورنا بلا موعد.
نجم لازم نحافظ عليه من الانقراض… لأنه مش مجرّد صوت، هو كنز بشري من النوع اللي ما بينولد كل يوم.
تعليقات
إرسال تعليق