القائمة الرئيسية

الصفحات

بعدك أذاني".. عندما كتب حسام سعيد الألم بحروفٍ خالدة، وغنّى رامي جمال التاريخ من جديد!



متابعة الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر


وسط زحام الأغاني العاطفية، وبين ضجيج الأعمال التجارية والمكرّرة، ظهرت أغنية "بعدك أذاني" لتكسر النمط، وتفرض سطوتها العاطفية على الجمهور، وتحفر مكانتها في وجدان المستمع، كأنها رسالة مكتوبة بدم القلب، لا بالحبر. بصوت رامي جمال العذب، وكلمات حسام سعيد التي تشقّ الصدر وتُخرج كل ما فيه من حنين، أُطلقت الأغنية في قلب المشهد الفني العربي، لتحجز لنفسها مكانًا ضمن الأغاني الخالدة.


القصيدة التي كتبها حسام سعيد لا تُشبه شيئًا مما نسمعه يوميًا، بل تُشبه حالة نادرة من الانكسار النقي، تفضح لحظة فقدان، وتُجسّد حجم الخسارة التي لا يمكن اختصارها بكلمة "فراق".

كتب:

"بُعدك أذاني.. خلّى كل حياتي فاضيه.. مابقيتش عني الدنيا راضيه.. بُعدك انت ضربه قاضيه.. خلّصت عليا أنا"

في هذه السطور فقط، استطاع حسام أن يُلخّص كل ما يمكن أن يشعر به قلب مكسور، بكل بساطة وصدق، دون زينة لغوية، ودون محاولات فلسفية، فقط ألمٌ نقيّ يُلقى كما هو على الورق.


ليست مجرد كلمات، بل اعترافات، جروح متكلّمة، مشاهد كاملة تُنقل في شكل أبيات، من شخص يقف وسط الذكرى، لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة للأمام، لكنه لا يزال واقفًا هناك… يُنادي، يُصلّي، ويتوسّل.


عندما استمع الجمهور إلى رامي جمال وهو يُغني "بحلّفك بكل غالي يا غالي ترجع ليا"، لم يكن ذلك مجرد أداء فني، بل كان انفجارًا عاطفيًا حقيقيًا. رامي لم يُغنِّ الأغنية كفنان يبحث عن تريند، بل كمجروح يروي قصته، كمحبّ فقد توازنه، وكصوتٍ قرر أن يقول الحقيقة كلها على الملأ.


رامي جمال يُتقن اختيار لحظته الغنائية، لكنه في "بعدك أذاني" لم يختَر فقط، بل غاص بالكامل داخل النص، صار هو "أنا" الموجودة في كل بيت شعري، تنقّل بين القوافي كأنه يسير في طريق موحش لا يرى فيه غير ظل محبوبه.


جاء لحن عمرو الشاذلي كأنه خُلق من رحم الكلمات، لم يسبقها، ولم يتأخر عنها، بل رافقها خطوة بخطوة، تنفّس معها، ثم دمج كل مفاصل الألم في تركيبة موسيقية هادئة تارة، وناقمة تارة أخرى، تجعلك تشعر وكأنك تستمع إلى صوت داخلي، لا مجرد نغمة على الآلات.


أما أحمد أمين، فقدّم توزيعًا عبقريًا يليق بهذا العمل، حافظ على خصوصية الأغنية، وسمح للمشاعر بأن تطفو على السطح دون إغراقها بالتقنيات، بل منحها الجو الذي تستحقه: صادق، بسيط، مُحزن حتى العظم.


لم تكتفِ الأغنية بتصدر المنصات المحلية، بل سرعان ما تحولت إلى تريند عربي واسع، ثم بدأت في الانتشار بين صفحات الموسيقى العالمية على منصات مثل تيك توك، يوتيوب، وإنستغرام. الجمهور لم يكن يستمع فحسب، بل يتفاعل، يبكي، يُعيد، يُغنّي، ويُترجم.

لم يكن غريبًا أن نرى آلاف القصص والتجارب تُروى تحت هاشتاغ


لأن ما كُتب هنا، هو مشترك إنساني عالمي...

البُعد يؤذي في كل لغة، والحنين له نفس الصوت مهما اختلفت الأوطان.


واحدة من أقوى جُمل الأغنية، والتي لاقت رواجًا كبيرًا، كانت:

"واقف مكاني.. ماعرفتش آخد خطوة واحدة"

وهي الجملة التي اختزلت شعور جيلٍ بأكمله، جيل تائه في العلاقات، في المشاعر، في التفاصيل اليومية التي يُحاول النجاة منها، لكنه غالبًا يبقى في مكانه، ينتظر عودةً قد لا تأتي، ويتعذّب بذكرياتٍ لا تموت.


"بعدك أذاني" ليست مجرد أغنية تُسمع، بل تُشعر وتُسكن وتُطبع في القلب.

هي عمل فني يكتب بداية فصل جديد في مشوار كل من شارك فيه. حسام سعيد قدّم نفسه هنا كواحد من أقوى الأصوات الشعرية العاطفية المعاصرة، لا يختبئ خلف البلاغة، ولا يهرب من المكاشفة.

ورامي جمال، كما عوّدنا، نقل الكلمة إلى روحها، وغنّى من قلبه، فصدّقه الجميع.

والمستمع؟ لم ينجُ… بل غرق في الأغنية تمامًا كما أراد صُنّاعها.

تعليقات