القائمة الرئيسية

الصفحات

مقالة المرأة العربية بين قيود التقاليد وتطلعات التحرر

المرأةُ العربيّةُ بينَ قيودِ التقاليدِ و تطلّعاتِ التحرّرِ
بقلم: فؤاد زاديكى

إنَّ معاناةَ المرأةِ في المجتمعاتِ التي تسودُها الأفكارُ الذكوريةُ تكادُ لا تنتهي، فهيَ أسيرةٌ منذُ ولادتها لسلطةِ الأبِ و الأخِ و العمِّ و الخالِ في بيتِ الأسرةِ، فإذا ما كبرتْ و انتقلتْ إلى بيتِ الزوجيةِ، وقعتْ تحتَ سيطرةِ الزوجِ وأهلهِ من الذكورِ. و عندما تنجبُ الأبناءَ، تصبحُ أسيرةً لهم من جديدٍ، أي أنَّها في كلِّ أطوارِ حياتِها لا تمتلكُ قرارَها بيدِها، و لا تستطيعُ أن تحققَ ذاتَها، أو أن تعبرَ عن طموحاتِها و رغباتِها و فكرِها و رأيِها.

فكيفَ لامرأةٍ مكبَّلةٍ بهذا الكمِّ الهائلِ من القيودِ أن تنهضَ؟
على الرغمِ من أنَّ المرأةَ أمُّ العطاءِ و التضحيةِ و الحبِّ و العاطفةِ و الشعورِ الرقيقِ، إلّا أنّها بكلِّ أسفٍ رهينةُ واقعٍ ثقيلٍ، متخمٍ بالعوائقِ و العقباتِ. و حين تجرؤُ المرأةُ على التعبيرِ عن نفسِها، يراها المجتمعُ كحالةٍ شاذّةٍ تستحقُّ النقدَ و التشهيرَ.

قد يقولُ قائلٌ: إنّ الزمنَ تغيَّرَ، و المرأةَ اليومَ ليستْ كأمسِها قبلَ مئاتِ أو عشراتِ السنينِ. بيدَ أنَّ نظرةً منطقيةً و عادلةً إلى واقعِها الراهنِ تثبتُ أنَّ شيئًا كثيرًا لم يتغيرْ، إذ ما تزالُ المرأةُ تُحاكمُ أضعافَ ما يُحاكمُ الرجلُ إذا عبّرتْ عن فكرِها أو عاطفتِها كأديبةٍ أو شاعرةٍ أو كاتبةٍ و الخ......

إنَّ الذكرَ يُمنحُ امتيازَ الحصانةِ الذكوريةِ، فلا يُنتقدُ كما تُنتقدُ الأنثى، و لا يُحاسبُ كما تُحاسبُ، و كأنَّه كائنٌ فوقَ النقدِ و خارجُ المعادلةِ الإنسانيةِ.
فإلى متى سيبقى هذا الجمودُ الفكريُّ سيّدَ الموقفِ؟
ألم يحنِ الوقتُ لكسرِ هذهِ القيودِ الثقيلةِ و الانطلاقِ نحوَ فضاءِ الحريةِ الذي تشعرُ فيهِ المرأةُ بكرامتِها و كيانِها و استقلالِ ذاتِها؟

و نحنُ إذا نظرنا إلى الأمثلةِ الحديثةِ في مجتمعاتنا، وجدنا شواهدَ حيّةً على هذا الظلمِ المزمنِ؛ فكم من فتاةٍ مثلُ "سُهى جاد" حُرمتْ من حقِّها في إكمالِ تعليمِها بحجةِ أنَّ مكانَها الطبيعيَّ هو البيتُ و الزواجُ؟
و كم من شابةٍ مثلُ "رُبى عيسى" طُردتْ من عملِها لمجردِ أنَّها طالبتْ بالمساواةِ في الأجرِ مع زملائِها الذكورِ؟
و كم من كاتبةٍ واعدةٍ كُتمَ صوتُها و قُمِعَتْ أحلامُها لأنَّها تناولتْ قضايا المرأةِ في رواياتِها و مقالاتها؟

بل كم من أديبةٍ معاصرةٍ مثلُ "أحلام مستغانمي"، و "غادة السمان"، و الدكتورة "نوال السعداوي"، لم يسلمْنَ من سهامِ النقدِ الاجتماعيِّ القاسيِّ، لا لشيءٍ سوى لأنَّهنَّ عبَّرنَ بحريةٍ عن مشاعرِهنَّ و أفكارِهنَّ كامرأةٍ ترى في الحريةِ و الكرامةِ جوهرَ الوجودِ الإنسانيِّ؟
الدكتورة نوال السعداوي، و هي واحدة من أشهر المدافعات عن حقوق المرأة، قالت في كتابها "المرأة و الجنس":

"المرأة ليست ملحقًا في حياة الرجل، بل هي كائن مستقل له حقوقه، و أهدافه، و طموحاته. إذا أُتيح لها أن تعبّر عن نفسها بحرّية، فإنّها ستكون مصدر إلهام للمجتمع بأسره."

أمّا غادة السمان، فقد عبّرت عن روح التحرر و الإبداع في أدبها بقولها:

"الحرية أن تكون المرأة قادرة على التعبير عن نفسها دون خوف من ردود الأفعال. الحرية أن تكون المرأة هي من يقرّر مصيرها، لا المجتمع و لا القيم التقليدية."

و لا ننسى الطبيبةَ السوريةَ "نجاة عبد الصمد"، و الأديبةَ الفلسطينيةَ "سحر خليفة"، و النّاشطةَ اللبنانيةَ "جويل أبو فرح"، و غيرهنَّ كثيراتٍ ممَّن أثبتنَ بجدارةٍ أنَّ المرأةَ حين تُمنحُ حقَّها في التعبيرِ و الإبداعِ تشرقُ في سماءِ الإنسانيةِ كما تشرقُ الشمسُ في صباحٍ نديٍّ.

كيفَ يمكنُ للمرأةِ أن تتحرّرَ، و هيَ مضطرةٌ لأن تكونَ برفقةِ محرمٍ في كلِّ مناسبةٍ و مكانٍ، و كأنَّها قاصرٌ دائمًا، لا تملكُ الوعيَ و لا الرشدَ؟
كيفَ لها أن تتخلّصَ من واقعٍ سلبيٍّ و هيَ تتوجسُ خيفةً من كلِّ كلمةٍ تنطقُ بها، و من كلِّ خطوةٍ تخطوها، في طريقٍ يحاسبُها فيهِ المجتمعُ بالقنطارِ على كلِّ حركةٍ و سكنةٍ؟

لقد آنَ الأوانُ لأنْ تُعامَلَ المرأةُ العربيةُ كما تُعامَلُ نساءُ العالمِ المتحضِّرِ، فهي ليستْ أقلَّ منهنَّ ذكاءً، و لا أضعفَ عطاءً، و لا أدنى حبًّا و إنسانيةً.
فلنكسرْ هذهِ القيودَ الظالمةَ، و لنفتحْ أمامَها بواباتِ الأملِ، و لنؤمنَ بأنَّ حريةَ المرأةِ هي حريةُ المجتمعِ نفسِه، و أنَّ ارتقاءَها ارتقاءٌ بأمَّتها و مستقبلِها.

آنَ للمرأةِ أنْ تكونَ كما أرادها اللهُ: شريكةً حقيقيةً في بناءِ المجتمعِ، لا تابعًا و لا ظلًّا باهتًا لرغباتِ الذكورِ.

تعليقات