القائمة الرئيسية

الصفحات

بؤس يأبى الرحيل
     في قرية صغيرة تحاكي خيوط الحياة البسيطة، تجسدت معاناة عائلة استنزفتها الحياة بصمت قاتل. منصور، الأب الذي كان يعول ستة أرواح تتشبث بالأمل، وقع ضحية حادثة قلبت حياته رأسًا على عقب، تاركة إياه أسير الفراش. نوارة، الزوجة التي تتقد عزمًا كجمرة تحت الرماد، حملت عبء العائلة بتواضع مهيب. بمعية ابنها لؤي، الذي اضطر أن يُلقي أحلامه على عتبات الواقع، شرعا في رحلة الكفاح. نوارة تصنع خبزها المدور كأنها تصنع أملًا جديدًا مع كل رغيف، ولؤي يطوف بأسواق القرية ليُبادل حرارة الخبز ببرودة الدنانير الشحيحة، دون أن تكفي لشراء أكياس الحليب.
   تمر الأيام، وفي صباح شتوي استيقظت نوارة مبكرة، كالعادة، لتحضر خبزها... غير أن جسدها أثقلته الرياح، ورأسها أصبح ميدانًا لمعركة غير مرئية. تسللت الكلمات من بين شفتيها المرتعشتين، تنادي: "لؤي... بني، استيقظ لتبيع الخبز". وبينما تحاول النهوض، سقطت كزهرة انحنى عودها. نقلها لؤي، مستعينًا بيد الخير التي امتدت في لحظة ألم، إلى المستشفى. وبعد ساعات طويلة من الترقب والقلق، دخل الطبيب والصدمة تشق طريقها إلى قلب الشاب: "أمك تعاني من ورم خبيث في الرأس... وتحتاج إلى عملية جراحية عاجلة خارج البلاد".
   بدأت رحلة جديدة، تلك التي تتحدى حدود القهر. عمل لؤي بلا هوادة، ليلا ونهارًا، يجمع دنانير الأمل على هيئة عتال وحارس، بينما كانت أيادي المحسنين تمتد لتضيف إلى صندوق الحلم. وأخيرًا، اكتمل المبلغ، وكل شيء بدا كأنه سيمضي نحو الفرج.
لكن القدر كان يخبئ خاتمة مؤلمة. أثناء سفرهم للعلاج، رحلت نوارة تاركة وراءها إرثًا من الكفاح والكرامة. كانت وفاتها صفحة مُزهرة في كتاب المأساة، حيث تعلمت العائلة أن البؤس قد يسكن الجدران لكنه لا يستطيع أن يكسو الأرواح بالصمت.
كتبتها الأستاذة
 خديجة آلاء شريف 
العبرة
العمل الشريف هو طريق الكرامة، والصبر في وجه المصاعب يُظهر القوة الحقيقية للإنسان.

تعليقات