القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية بقلم الأستاذة 
خديجة آلاء شريف 
بين الصخر ينبت الزهر
الفصل الأول: بذور التفوق  
في قرية تنام تحت ظلال الجبال العالية، وتستيقظ على نسمات الأمل والهدوء، كانت ليلى تعيش في منزل متواضع يزينه حب أسرتها البسيطة. لم تكن طفولتها عادية، بل كانت أشبه برحلة استكشاف دائمة. قضت ليلى وقتها تتأمل السماء الصافية، وكأنها تسأل النجوم عن أسرارها، تتساءل: هل تلك النجوم رسائل من عالم آخر؟ أم أنها ترمز إلى حلم بعيد يحتاج لشجاعة للوصول إليه؟  
في أحد الأيام، وبينما كانت تسير على ممر ضيق يمر بين الحقول، لمحت زهرة نبتت وسط صخرة كبيرة. توقفت وتأملتها طويلاً، وكأنها ترى في تلك الزهرة انعكاسًا لحياتها التي كانت تعرف أنها ستشهد تحديات ستحتاج الصبر لتجاوزها. همست ليلى لنفسها: "ربما تحتاج هذه الزهرة إلى الصخر لتحمي نفسها من الرياح القاسية، وهكذا نحن أيضًا، نجد قوتنا في صعوباتنا."  
حينما دخلت المدرسة الابتدائية، لفتت نظر المعلمين بذكائها الاستثنائي وهدوئها. كانت الطفلة التي تتحدث قليلًا، لكنها تقول الكثير في صمتها. في أحد الأيام، خلال درس عن القراءة الشعرية، قرأت ليلى بصوت ملؤه الشجن قصيدة عن الأمل. تلك اللحظة لم تكن عادية؛ شعر المعلم وزملاؤها وكأن الكلمات تنبض بالحياة من بين شفتيها، تاركة صدى عميقًا في قلوب المستمعين.  
كان والدها، الذي يعشق القراءة، يصطحبها أحيانًا إلى المكتبة الصغيرة الموجودة في القرية. هناك، كانت ليلى تتصفح الكتب بشغف، تتنقل بين الحكايات التاريخية والقصائد التي تحاكي قلبها. كل كتاب كان بمثابة عالم جديد يستحق الاكتشاف، ومع الوقت، نمت بداخلها أحلام بأن تكون جزءًا من ذلك العالم الذي تُصاغ فيه الكلمات لتصبح قصصًا تُخلّد في الذاكرة.  
الفصل الثاني: اختبار الغيرة
كبرت ليلى، ومع سنوات المراهقة بدأت ملامح التحديات تظهر أمامها كأمواج تتحطم على صخور الواقع. زميلتها سارة، التي ترى في نفسها دائمًا نجمة الصف، بدأت تشعر بأن بريق ليلى يهدد هذا المكان الذي اعتادت أن تحتله بلا منازع.  
في أحد الأيام، طلب معلم العلوم من الطلاب العمل في مجموعات على مشروع علمي. كانت ليلى القائدة بطبيعتها، تقود فريقها بخطى ثابتة وأفكار مبتكرة. أما سارة، فكانت تحاول تقويض العمل بخلق الفوضى. أثناء ذلك، شعرت ليلى بموجة من الغضب تعتريها، لكنها استجمعت نفسها وتذكرت كلمات والدها: "القائد الحقيقي هو الذي يعرف كيف يحول الخلاف إلى فرصة." ابتسمت وقالت لفريقها: "كل زهرة تحتاج إلى مساحة لتنمو، وأعتقد أن فريقنا هو الحديقة التي معًا يمكن أن تزهر." هذه الكلمات كان لها وقع خاص؛ جعلت البعض يعيد النظر في مواقفهم من الغيرة والمنافسة.  
مع مرور الوقت، أدركت ليلى أن الغيرة التي تكنها سارة لم تكن سوى انعكاس لخوف دفين بداخلها. في إحدى الاستراحات، جلست بجانب سارة وقالت لها بصوت هادئ: "كل إنسان له طريقه الخاص، ونجاحي لا يعني فشلك. لماذا لا نحاول أن ندعم بعضنا بدلًا من التنافس؟" تفاجأت سارة بلطف ليلى، فتغيرت ملامح وجهها، وكأن كلماتها وصلت إلى قلبها. منذ تلك اللحظة، بدأت علاقتهما تتحول من منافسة إلى صداقة مترددة مليئة بالاكتشاف.  
الفصل الثالث: الزهر يواجه العاصفة 
كان الشتاء في القرية قاسيًا، الرياح تعصف بالأبواب والنوافذ، والسماء تمطر ثلوجًا وكأنها تعيد رسم ملامح الطبيعة. في ذلك الصباح، لم تكن ليلى تعرف أن هذا اليوم سيغير الكثير في حياتها. استيقظت مبكرًا، وشعرت بالخطر يهمس في الهواء البارد، لكنها كانت مصممة على الذهاب إلى المدرسة.  
على الطريق، كانت الحافلة المدرسية تخوض معركة مع الثلوج الكثيفة، أما داخلها، فكانت ليلى غارقة في قراءة إحدى رواياتها المفضلة عن أبطال تجاوزوا المحن. كانت الكلمات تخترق أفكارها، فتخيلت نفسها تعيش تلك القصص، ورأت في أبطالها انعكاسًا لتحدياتها.  
في نهاية اليوم الدراسي، اضطرت الحافلة للتوقف نظرًا لخطورة العودة. ليلى وزميلاتها لم يكن أمامهن سوى السير على الأقدام. ومع كل خطوة تخطوها وسط الرياح العاتية، كانت تشعر وكأنها تخوض اختبارًا لا يرحم. الأصوات من حولها، صرخات الرياح وصفيرها، كانت وكأنها تحاول تضعف عزيمتها. لكنها تمسكت بفكرة أن كل خطوة تقربها من الأمان.  
في لحظة شعرت فيها بأن قواها تخونها، لمحت من بعيد جارهم كريم قادمًا بعربة صغيرة لإنقاذها هي وصديقاتها. صدى كلمات كريم وهو يقول لها: "لا تخافي، نحن هنا لنقف بجانبك"، كان كالصوت الذي يعيد الروح إلى جسدها، وكأن الدفء تسلل إلى قلبها رغم برودة الجو.  
الفصل الرابع: انتصار الروح
في المستشفى، كانت الأيام تمر ثقيلة، أشبه بصفحات كتاب طويل. لكن ليلى لم تستسلم للإحباط. بين جلسات العلاج والزيارات العائلية، كانت تجد في نفسها طاقة جديدة، طاقة مستمدة من إيمانها بأن كل ألم يمر به الإنسان يكون مقدمة لشيء أعظم.  
خلال إحدى الزيارات، جلس والدها بجانبها وهو يحمل كتابًا صغيرًا، وقال لها: "هل تعرفين، يا ليلى؟ الألم هو المؤلف الأعظم؛ هو الذي يصوغ الشخصيات القوية مثل تلك التي تقرئين عنها دائمًا." استمعت ليلى لكلماته وكأنها تنهل إلهامًا جديدًا.  
عندما عادت إلى المدرسة بعد أسابيع، كان استقبال زملائها لها مليئًا بالحب والدعم. أخبرها معلم الأدب أن نتيجتها في الامتحان كانت الأفضل على مستوى الفصل. شعرت ليلى بأن الجهود التي بذلتها لم تذهب هباءً.  

في حفل تكريم الطلاب المتفوقين، وقفت ليلى أمام الجميع، وعيناها مليئتان بالامتنان والأمل، وقالت: "تعلمت أن التحديات ليست عدوًا يجب أن نهرب منه، بل هي معلم يساعدنا على اكتشاف أعظم ما في أنفسنا. بين الصخور تنبت الزهور، لأن القوة الحقيقية تأتي من أعماق الروح." تلك اللحظة لم تكن فقط نهاية لفصل من حياتها، بل كانت بداية لفصل جديد، حيث أصبحت رمزًا للأمل والإصرار، تسعى لتحقيق أحلامها بأن تصبح كاتبة تُلهم الآخرين بقصصها وتجاربها.

تعليقات