القائمة الرئيسية

الصفحات

في حضرة المجد… أداء تاريخي لافت يتوج منذر رياحنه في "سيوف العرب" (خاص )

الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 

بهيبة العارف وبصوت الموجوع على وطنه، وبحضور نادر بيشبه الصقر المترفع عن الضجيج، دخل النجم الأردني منذر رياحنه ساحة الدراما التاريخية من أوسع أبوابها، ليترك بصمة لا تمحى، بصمة محفورة على جدار الوجدان، من خلال دوره المُزلزل في حلقة سقوط بغداد من مسلسل "سيوف العرب"، هالحلقة يلي قلبت المقاييس، وحطّت معيار جديد للأداء الصادق، وكتبت اسم رياحنه بحروف من نار وذهب.

منذر ما قدّم شخصية صاحب مكتبة فحسب، هو نقلنا على جناح الحنين إلى بغداد، مش بغداد الجغرافيا، بل بغداد الحلم، بغداد الكلمة والعلم والمعرفة. حضوره كان مشهد بحد ذاته، كل نظرة من عيونه كانت كتاب، كل تنهيدة كانت مخطوطة، وكل وجع عم يطل من ملامحه كان تاريخ عم بينحرق قدام عيونه وعيوننا. الجملة ما كانت مجرد حوار، كانت صرخة جيل انحرم من ذاكرته، واندفن تحت رُكام الحقد والجحود.

بأداء ناضج ومُشبَع بالحس الفني، قدر منذر يجسّد شخصية صاحب المكتبة اللي وقف عاجز قدام جنون الخراب، بس ما استسلم، حتى وهو شايف النيران تلتهم أوراق العلماء، حتى وهو سامع صراخ الكتب، حتى وهو عم يشم ريحة الحبر المحروق، ظل صامد، لأن المكتبة مش حيطان، المكتبة هو، هو الفكر، هو الذاكرة، هو صدى الحضارة.
الرياحنه بمهارة فريدة مزج بين الرصانة التاريخية والانفعال الدرامي، بين واقعية النص وجمالية الأداء، بين حزن الحاضر وألم الماضي، وخلق نقطة التقاء بين وجدان المشاهد وبين مجد ضايع عم نسترجعه من خلاله. وكل هيدا ما كان ممكن يصير لو ما كان منذر ممتشق سيف الموهبة، وحامل درع الصدق، وماشي على درب الفن الحقيقي بلا مواربة ولا استعراض.

النقاد ما تأخروا لحظة، إجماع شبه كامل على إنّ مشاركة منذر بهالعمل كانت نقطة تحوّل مش بس بمسيرته، بل كمان بمشهد الدراما التاريخية كلّها، لأنو مش أي حدا بيقدر يشيل على كتافه حكاية بغداد وسقوطها، ويحافظ على الهيبة والكرامة وسط رماد الهزيمة.

وما فينا نمرّ مرور الكرام على المأساة الحقيقية يلي خلفها سقوط بغداد سنة 1258، يوم دخل هولاكو بعنجهيته وخيوله المدججة، ومسح وجه الحضارة، وهدم المكتبات، وأعدم العلماء، وأغرق نهر دجلة بحبر الكتب اللي صارت سيرة بين ضفتين. بيت الحكمة، رمز العلم والنهضة، صار مجرد ذكرى موجعة، وكل صفحة احترقت كانت نبض من نبضات أمتنا. ومنذر، بتمثيله، كأنّه أعاد نبض هالصفحات، كأنّه صرخ بإسم كلّ عالم اتقتل، وبإسم كل كتاب اندفن حيّ.

مسلسل "سيوف العرب" مش بس إنتاج فخم من المؤسسة القطرية للإعلام، ولا مجرد مغامرة درامية إخراجها بإيد المبدع سامر جبر، ولا حتى بس لأنّه جمع عمالقة متل سلوم حداد، جمال سليمان، باسم ياخور، ومنذر رياحنه، بل لأنه محاولة جريئة لاستعادة هويتنا، لحفر السؤال بوجه الغفلة: "ليش سقطنا؟ وكيف منرجع نوقف؟"

فريق العمل كلّه اشتغل بشغف، الصورة كانت ملحمية، الموسيقى كانت عم تنزف، الإخراج التقط اللحظة الصح، والكاست خاض معركة تمثيلية بكل جوارحه، بس الرياحنه كان "السيف اللي بيبكي"، المقاتل يلي قاتل مش بالحرب، بل بالكلمة، بالحضور، بالنظرة.

وفي حضرة المجد، في حضرة التاريخ يلي رجع عالشاشة مش ليتسلى، بل ليحكي، ليوجّه، ليصرخ، وقف منذر رياحنه مثل الشاهد الصامت، والحكيم المجروح، وكتب اسمه مش بدفاتر النقاد، بل بقلب كل مشاهد صادق... وكل عاشق لهالعالم العربي يلي كل ما انكسر، بيخلق من بين الركام نجم، متل منذر، بيحمل الشعلة، وبيمشي.

"سيوف العرب" مش مسلسل... هو مرآة، ومنذر رياحنه ما كان ممثل… كان صدى وجعنا، وكان المجد بشخصه.

تعليقات