القاهرة الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في شي بالقلب بينكسر وما بيتصلّح، في نغمة بتولد من حنجرة موجوعة، وفي لحظة بتختنق فيها الذكريات بصوت بيشبهنا، وبيفضحنا، وبيحضننا وبيفلّ... يا نغمة مش بسيطة، يا حكاية ما خلصت، يا صوت رافض يسكت، يا "حكاية أذتني"... بين شهقة الحنين وزفير الخيبة، بين طلقة الصمت وغمرة الكلمات، بين الوجع يلي علّق بالضلوع وبين الحنين يلي عم يتسوّل فرصة، بين الموسيقى يلي مش عم ترضى تسكت وبين القلب يلي نسي كيف ينبض، بيجي صوت حسام حبيب حامل وجّ الصدق، وحامل توزيع مصطفى غانم متل جرح ناصح، متل دمعة راشدة، متل كف من الحنين نزل عوجه الزمن وقال: "إسمعني منيح... أنا مش نغمة وبس، أنا قصة، أنا محكمة مشاعِر، أنا وجّ صادق بمساحة خيال كاذب!"
من أوّل تسرّب لكلمات "حكاية أذتني"، والأرض تحرّكت تحت رجلي التريند، وما عاد في ولا hashtag يقدر يسبق نبضها، لأنّ الكلمة هالمرة مش مجرد عبارة بتتشاركها الناس، هالمرة الكلمة كانت خنجر ناعم، نزل على خاصرة كل شخص مرق بوجع الحب، كل روح شربت من كأس الغدر، كل قلب كان بيغنّي لحاله بالليل وعم بيكذّب على حاله إنو "أنا منيح"... بس الحقيقة؟ ما فينا نكذّب بعد هل رجعة، حسام رجع بصوته، بصورته، بحضوره، بس أهم من هيك، رجع بروحه، وهاي الروح حملها مصطفى غانم، وشالها بنغمة موزونة بتوزيع بيطفي حرقة وبيشعل ذاكرة!
"حكاية أذتني" مش بس عنوان، هي بيان ثورة عاطفية، كتبوه محمد القاياتي بلغة موجوعة، ولحنه محمد يحيى بنبض دافي بس مكسور، وجاء مصطفى غانم، حط النقاط عالأنين، لبّسها نغمة من وجعه الشخصي، فَتَّت فيها المايكروفون لدموع ساكنة، وسجّل صوت فيه كل ما هو مسكوت عنه من سنين، ما كان التوزيع موسيقى، كان مناجاة، كان شهقة كاملة مقسّمة بإيقاع محترف، وسحر موجات صوتية ناضجة، متقنة، وغارقة بالإنسانية!
واللافت؟ إنو حسام مش ناطر جمهور يسمّعوه "أغنية"، هو ناطر جمهور يتعرّف عليه من جديد، بعد غياب طويل، بعد سكوت مطبّع بالحذر، وبعد صراع واضح بين الإنسان يلي جوّاته والفنان يلي بدّو يضل وفيّ لفنه، هالألبوم ما بيشبه شي، ولا حتى بيشبه حسام حبيب يلي منعرفه، هالألبوم بيان شخصيّ بصوت عام، هو مشوار داخليّ ناطر يلاقي ناس مرقوا بمتلو، يلاقوا حالن بالموسيقى، بالبكاء، وبالإبتسامة الحزينة.
وما بتخلص القصة هون... التيزر الأوّل لأغنية "سيبتك" كان شرارة الرجعة، كتبها أدهم معتز، ولحّنها تامر علي، ووزّعها أحمد وجيه، وصرّح حسام إنو الألبوم الجديد بيتقسّم على جزأين، كل جزء فيه خمس أغاني، النصف الأوّل درامي، عابق بالوجع، والنصف التاني متفائل، متل صفحة جديدة عم تنكتب بنبرة ناضجة، وبتوازن فنيّ خرافي. حسام بيقول إنو هيدا العمل "أقرب شي لإله"، وفعلاً، كل أغنية بتفرك قلبك من الداخل، بتقولك: "لو موجوع، إنت مش لحالك"، ولو موجوع، مصطفى غانم عم يشتغل يلبّسك وجعك بشكل بيخلي دمعتك راقية، وحزنك فخم.
وإذا بدنا نحكي من زاوية فنية، بعيدًا عن العاطفة، التوزيع بهالأغنية بيثبت إنو مصطفى غانم مش بس موزّع، هو صانع مشهد صوتي، هو من النادرين يلي بيعرفوا كيف يحكوا بالصمت، كيف يخلوا الآلات تبكي، كيف يربطوا الموسيقى بتجربة، مش مجرد beat أو effect، هو بيخلق موجة إحساس كاملة، متراكبة، بتعطي مساحة للمطرب يتنفّس، ويتكسّر، ويتكوّن من أول وجديد.
وأكتر من هيك؟ "حكاية أذتني" وصلت للتريند مش صدفة، وصلت لأنو الناس عطشانة للإحساس الحقيقي، للصدق، للكلمة يلي بتنحكى مش لتبيع، بل لتفضح، لتطهر، لتجاوب على أسئلة ما نقالت، وتجاوب من دون ما تشرح، لأنو ببساطة، الأغنية كانت أقرب لصلاة... صلاة فيها اللحن كاهن، والكلمة مصلّي، والصوت مؤمن، والمستمع تائب عن أغاني بلا روح.
بـ"حكاية أذتني"، صار حسام حبيب مش بس مطرب، صار شاهد، وبهالشهادة، مصطفى غانم كتب التوقيع على موسيقى بتحاكي الحياة قبل الفن، الوجع قبل المجد، والحقيقة قبل أي تريند.
تعليقات
إرسال تعليق