هنا نابل ...
خواطر فايسبوكية صباحية
بقلم المعز غني
ليست حرية الرأي والتعبير ترفًا يُمنح، ولا ميزة يُشاد بها حين تهب الأنظمة على شعوبها بعض الهواء لتتنفّس.
إنها جوهر الوجود الإنساني، ومهد الكلمة الصادقة ومسرح الضمير الحيّ حين يقف وحده في مواجهة جحافل الصمت والخوف.
الحرية لا تُمنح … إنها تُولد مع الإنسان من أول صرخةٍ يطلقها طفلٌ في مهده، إلى آخر كلمةٍ يقولها شيخٌ وهو يسلّم الحياة لربه، تظلّ " الكلمة " سلاح الإنسان النبيل وسياجه الأخير في وجه الطغيان.
إن التعبير عن الرأي ليس صخبًا، ولا جريمة بل هو ما يمنحنا كرامتنا بين الكائنات.
الكلمة التي تخرج من رحم الصدق، لا تخون ولا تخذل، بل تُضيء. والسكوت عنها، إن كان خوفًا أو خضوعًا، ليس إلا موتًا مؤجلًا.
ولكن ما أشدّ غرابة هذا العالم حين يحاول أن يُخرس العقل، ويُعاقب الفكرة، ويُخيف القلم ...! ؛ وكأنهم لا يدركون أن الكلمة إذا وُئدت، تحوّلت إلى صرخة أعمق وأن الصوت إذا خُنق تحوّل إلى زلزال صامت في جوف الأرض.
لقد عرفت الإنسانية عبر تاريخها المديد أن كل فكرة عظيمة بدأت بالاختلاف، وكل إصلاح بدأ بصرخة لم تعجب الحاكم، وكل ثورة فكرية بدأت بجملةٍ خُطّت على ورق، أو نُطقت في ممرٍ ضيّق، أو كُتبت على جدارٍ متهالك في زاوية منسية.
فهل يُعقل أن تُحاسب الكلمة قبل أن تُفهم؟
هل يُمكن أن نخاف من الحبر أكثر من خوفنا من السلاح؟
وهل يليق بعالمٍ يدّعي التقدّم أن يُحاكم الإنسان على فكرةٍ خرجت من روحه، لا من فوهة بندقية؟
إن حرية الرأي ليست تهديدًا، بل ضمانة للسلام. إننا حين نُفسح المجال للكلمة، نُقلل من الانفجار. وحين نسمح بالبوح، نقي أنفسنا من الصراخ الذي يأتي بعد القهر الطويل.
لا أحد يثور لأنه تكلّم، بل يثور لأنه صُمِتَ طويلًا.
فما أجمل المجتمعات التي تصغي، لا لتردّ، بل لتفهم وما أعدلها حين تحترم الرأي المخالف، لا لأنّه يعجبها، بل لأنه حقٌّ مكفول بإنسانية قائله.
أيها الإنسان، لا تخف من أن تقول ما تؤمن به لا تنكفئ حين يُقال لك : {" اصمت ...!} ". الكلمة الحرة لا تموت، وإن مات صاحبها. الحروف الصادقة تُخلّد، وإن أُحرقت أوراقها.
فقل كلمتك، ولو بتمتمة عبّر عن رأيك، ولو بحرفٍ يتيم لأنك حين تكتب، أنت تُقيم معراجك نحو كرامتك. ولأنك حين تتحدث، فأنت تُعلن للعالم أنك ما زلت حيًّا، حرًّا، إنسانًا.
---
تعليقات
إرسال تعليق