بقلم: أحمد الشبيتى
في زمنٍ لم يعد للبراءة مكان، وفي عصرٍ أصبحت فيه الطفولة أسيرة شاشة صغيرة تُدعى "الهاتف"، يضيع يومًا بعد يوم جيل كامل بين ألعاب قتالية، ومقاطع سطحية، وساعات طويلة من التشتت الذهني والسلوكي، دون أن ينتبه الكثير من الآباء إلى حجم الخطر المحدق بأبنائهم.
"بابجي" و"فري فاير" و"الريلز".. حين يتحوّل اللعب إلى دمار
ما بدأ كوسيلة للتسلية، تحوّل اليوم إلى إدمان لا يقل خطرًا عن المخدرات. ألعاب مثل "بابجي" و"فري فاير" تزرع في عقول الأطفال ثقافة القتل والعنف والانتصار الدموي، دون إحساس بقيمة النفس البشرية. أما المقاطع القصيرة أو "الريلز"، فترسّخ صورًا مبتذلة، ومفاهيم مشوّهة عن الحياة، وتزرع في قلوب الصغار نزعة تقليد مَن لا يستحقون أن يُتّبعوا.
علماء الدين: "انشغال عن العبادة وتضييع للأمانة"
يقول فضيلة الشيخ الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
"انشغال الطفل بهذه الألعاب دون رقابة يُعدّ تقصيرًا من الأهل، وهو تضييع للأمانة التي حمّلنا الله إياها، قال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته."
الأخصائيون النفسيون: الخطر الحقيقي في "العزلة والانفصال"
تقول د. مي عبدالسلام، أخصائية الصحة النفسية للأطفال:
"نحن أمام جيل يتربى على الاضطراب النفسي: قلق، توتر، عنف، عزلة اجتماعية، ضعف في المهارات اللغوية، وفقدان القدرة على التركيز والتعلُّم."
وتضيف:
"الطفل الذي يقضي يومه كله أمام شاشة، لا يعرف التفاعل الإنساني، ولا ينمو لديه الشعور بالمسؤولية ولا حتى القدرة على حل مشكلاته."
رسالة إلى كل أب وأم: أنقذوا أبناءكم قبل فوات الأوان
أيها الآباء، أيتها الأمهات..
ليس العدل أن توفروا لأبنائكم أحدث الهواتف ولا تهتموا بما يفعلونه بها.
ليس الحنان أن تسكتوا على بكائهم فتعطوهم الهاتف ليسكتوا.
الحنان الحقيقي هو أن تحموا عقولهم من السموم الرقمية، أن تُنظّموا وقتهم، أن تمنحوهم وقتًا للقراءة، واللعب الحركي، والمحادثة، والتربية.
ماذا يمكن أن نفعل؟
1. تحديد أوقات استخدام الهاتف: وليكن الهاتف وسيلة لا غاية.
2. مشاركة الأطفال في اللعب والحديث: الأطفال بحاجة إلى قربكم أكثر من شاشاتكم.
3. المتابعة الدائمة لما يشاهدونه: لا تتركوا الطفل في غرفة مغلقة وشاشة مفتوحة.
4. التوجيه الديني والتربوي: زوّدوا أطفالكم بقيم تحميهم من الانجراف.
5. بدائل واقعية وجذّابة: نوادٍ رياضية، أنشطة فنية، قصص مشوّقة، رحلات تربوية.
وأخيرًا...
ليست التكنولوجيا عدوًا، ولكن إهمالنا في توجيهها هو الخطر الحقيقي.
أبناؤنا أمانة.. فهل نضيّعها على عتبات الشاشات؟
هل ننتظر حتى نجد أبناءنا في غرف مغلقة، تتآكل أعمارهم خلف صور إلكترونية؟
آن الأوان لنستفيق.. فالمستقبل يبدأ من طفلٍ يُربّى على الوعي، لا على "الريلز"!
تعليقات
إرسال تعليق