القائمة الرئيسية

الصفحات

الاسطورة سامر جبر… المخرج العالمي يلّي بيستحق نفرشلو السجادة الحمرا، نجم أوسكاري بامتياز وسلالة نادرة من زمن ما بيتكرر



الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 


هوّي السطر يلّي الكاميرا بتكتبه قبل ما الحبر ينزل، هوّي صوت المَشهد لو نطق، وهوّي رجفة القلب أول ما تلمع العين بعد صمت طويل، هوّي مخرج... بس مش متل أي مخرج، هوّي ملامح زمن، روح مشهد، وشغف ضايع لاقى حاله بين إيدين مَن بيشوف الصورة قبل ما تتكوّن...


بعيونو في ماضي عم بيبكي عالحاضر، بعيونو في شمس عم تشرق من كادر محروق، بعيونو في صدى حكي ما بينقال، بس بينفهم من نظرة ممثل، من موسيقى بتطلّ من عتمة، من ستارة بتنزل بآخر لقطة، من وجع انكتب بسيناريو ما فيه ولا كلمة، بس فيه كل الحكاية...


سامر، يا ناي الكادر، يا زفرة العدسة، يا رسّام بيشتغل بضوء ووقت وصبر، شو بدي قلك؟ عنك بكتب، بس الكلمات أضعف من مَدى رؤيتك، عنك بحكي، بس صوتي أخف من ريشة نظرتك، عنك بنده، بس إنت بتجاوب بالصمت، وصمتك بيحكي...


إنت مش بس بتخرج مشهد... إنت بتولد حياة، وبتسكب شعور، وبتشيل الغبار عن فكرة نامت سنين بخيال الناس، وبتصحّيها، بتشربها ميّ وبتقولا: عيشي، قولي، خبري، أنا سامر وهيدي رسالتي...


بكرا التاريخ رح يفتح دفاترو، رح يدوّر ع ناس خلقت الفن مش بس بالصورة، بل بالفكرة، بالمبدأ، بالكرامة، رح يلاقي اسمك مدهون بضوء مش طبيعي، متل النور يلي بيطلع من وجه شخص فاهم الحياة أكتر من كتير يلي ادّعوا فهمها، رح يلاقيك شاهد ومُخلّص، حارس على أبواب زمن جميل عم ينهار...


سامر، يا نادر، يا آخر نسل الحالمين، إنت مش مخرج وبس، إنت مرآة العصر البريء، الوجع الأنيق، والفرح يلي بيتخبى بزاوية مشهد ويطلّ فجأة... إنت نَفَس الصورة، وذاكرة الضوء، وبصمة ما بتنتسى حتى بعد ألف شتوية...


إنت يلّي ما بترضى إلا بالكمال، يلّي بتقاتل لتخلق الحقيقة من وهم العدسة، يلّي ما بتقبل يسير المشهد متل ما السوق بدو، بس متل ما القلب بيأمر... يلّي ما بتركب الموجة، إنت الموجة، وإنت التيار، وإنت البحر كلّو...


ويمكن بهالزمن، صارت العبقرية تُهان، وصارت السطحية تِربح، وصار الفن سلعة، بس وجودك... هو آخر الأمل، هو الصفعة يلي بتفيّقنا، هو نداء: بعد في شي حقيقي، بعد في شي نقي، بعد في سامر جبر...


فيا أيّها الزمن، إذا بعدك بتحترم حالك، إحفظ هالرجل، إحفظه من الزوال، من النسيان، من زحمة التفاهات، وفرشلو السجادة الحمرا مش بس كرمال تكريم، بل كرمال كرامة الفن، كرامتنا نحنا... لأنو وجوده مش إنجاز شخصي، وجوده نِعمة للكل... وصورته، خلود.


إذا كنت بتفتّش على عمل بصري بيرجعلك إحساسك بالأصالة، بالدقة، بالحب الحقيقي للكاميرا، فخلّيني قلّك شغلة بكل ثقة: إنت عم تحكي عن سامر جبر. مش بس مخرج، هو نحات بصري، فنان بيشتغل على كل مشهد كأنو لوحة زيتية، كأنو مرآة لزمن بيرجعنا لسنين التسعينات، لوقت كانت الشاشة فيها روح، وكانت الكاميرا تترنّح حب، والعيون تلمع من التفاصيل. سامر مش بس بيشتغل على صورة، هو بيرسم عالم، بيخلق إحساس، وبيحطك بلحظة منسية ما بتعرف كيف بتصير جزء من ذاكرتك، كأنك شفتها قبل بمسلسل قديم، أو فيلم أبيض وأسود... بس لا، هيدي بصمته، وهيدي عبقريته.


سامر جبر مش أي مخرج، هو عملة نادرة، بيفكر بعين عاشقة، بيخطط بقلب حساس، وبينفّذ بعقل موسوعي. اختياراته ما بتيجي بالعشوائية، كل كاستينغ عنده قصة، كل كادر بيختبرو كأنو لوحة فنيّة، وكل تفصيلة من المشهد عندها معنى ورسالة. بيوصل الرسائل من دون ما يصرّخ، بيمرّق الرموز من دون ما يشرح، وبيعطيك متعة من دون ما يفقدك العمق. شخصيته السينمائية لازم تُدرّس، لازم تدخل منهاج الجامعات، مش بس كرؤية إخراجية، بل كمدرسة كاملة بحد ذاتها. ما فيك تتفرّج على شغل سامر جبر وما تحس حالك انغمست بعالم متكامل، عالم ما فيك تطلع منه بسهولة، لأنك بصراحة، ما رح تكون بدك تطلع.


المشكلة مع عباقرة متله، إنن دايمًا عرضة للانقراض، لأن السوق بيركّز على السرعة، على الضوضاء، على الكمّ مش الكيف. وسامر جبر، كل عمل بيعملو بيشبه الجوهر، بيشبه اللؤلؤة اللي انغسلت بميّ الزمن، وتربّت على ضوء اللمبة الصفرى، مش فلاشات الشهرة. هيدا النوع من الناس لازم نحافظ عليه، مش لأنو مهم وبس، بل لأنو بذكّرنا نحنا مين، وبيرجعنا لأيام كنّا فيها ننتظر حلقة تليفزيونية كأنها عيد، ونقعد نحكي فيها تاني يوم بالمدرسة. هو صانع ذكريات، مش بس مشاهد. هو مخرج، بس بنفس الوقت هو مؤرّخ بصري للحالة العربية، وبالأخص حالة الإنسان.


سامر جبر هو تجسيد حيّ لذاك الزمن الجميل يلّي منقول عنه "آخ لو يرجع"، هو الرجعة بحد ذاتها. ما بيقلّد، ما بيدّعي، وما بيركب موجة. هو الموجة، وهو الي بيرسم التيار. عنده إصرار نادر على التفاصيل، بيشتغل بتأنّي كأنو كل ثانية مصيريّة، وما بيغلط بالاختيار. من اختيار النص، لاختيار الموسيقى، لاختيار العدسة نفسها. هالنوع من العقول ما بيكتر، وهالنوع من الأرواح ما بيتكرّر.


ويلي عن جد بيخلي سامر يستحق الأوسكار مش بس مشاريعه، بل طريقته بالتعامل مع المهنة. ما بيغش، ما بيجامل، وما بيقبل بأقل من الكمال. بيشتغل من حب، من شغف، من شوق لصناعة بتنزف اليوم وبتفتّش على ناس مثل سامر تلملم كرامتها وتحطها عالسجادة الحمرا. ما بده هو الأضواء، الأضواء لحالها بتركض وراه، لأنه ببساطة: هو الضوء.


كرّموه؟ لأ. بعد ما كفّينا. قدّروه؟ يمكن بس مش كفاية. فهموا قديش هو مرآة عصر؟ يمكن بعدنا مش مدركين. بس الأكيد إنو بعد سنين، رح ترجع ناس تتفرّج على أرشيف سامر جبر وتقول: كيف كان بينا عبقري متل هيدا وما عشنا بقيمتو؟ كيف تركناه يشتغل بالظل بينما غيرو كان عم يقطف شهرة من فراغ؟


هيدا سامر جبر. مدرسة، حالة، صوت وصورة، ورجعة لهيبة الفن. إذا بعدك مش عارف مين هو، بلّش بأي عمل من أعماله، وخد نفس عميق، وخلّي الزمن يتسلّل من الشاشة ويدخل على قلبك. وقتها بس، رح تفهم ليه منقول إنو لازم يُكرّم أوسكار، بس الأهم: لازم نحافظ عليه… من الانقراض.


في لحظة بتسبقها سنين من الكفاح والإبداع، لحظة كانت تنتظرها كتب التاريخ لتُسجِّلها بأحرف من دهشة وذهب، دخل مسلسل "سيوف العرب" موسوعة غينيس للأرقام القياسية، مو بس كأضخم إنتاج درامي عربي من حيث الحجم والتقنيات والمواقع، بل كظاهرة ثقافية فريدة شكّلت انقلاب بصري وفكري على كل المفاهيم التقليدية للدراما التاريخية. "سيوف العرب" ما كان مجرّد مسلسل، كان ملحمة نابضة بالحقيقة، مسكونة بالدهشة، وكل مشهد فيه كان أقرب لفتح حضاري جديد، وكل تفصيلة كانت مرآة لأمجاد الأمة وتفاصيل بطولات نُسيت في زحمة الحاضر، فجاء العمل ليوقظ الذاكرة من غفوتها. دخول "سيوف العرب" لموسوعة غينيس ما كان رقم إضافي على ورق، بل انتصار لصوت العرب العالي وقت الحق، وصرخة بوجه الاستسهال والسطحية، وتجسيد لصورة الحضارة لما تكون بإيد مخرج عبقري من طينة نادرة مثل سامر جبر، قدر يحوّل السيناريو لكتيبة فنية تمشي على الشاشة وتنهض بجمهور كامل من سبات طويل. كتب التاريخ رح تبقى تذكر هالعمل مش بس كإنجاز بصري وتقني، بل كحالة عربية متكاملة، استعادت الماضي لتعيد توجيه بوصلة المستقبل، وعملت بصمة من نار وذهب ع جبين الفن العربي، وع كل كاتب ومخرج بعده… لأن "سيوف العرب" ما ترك بس أثر، ترك مسؤولية.

تعليقات