القائمة الرئيسية

الصفحات

هيثم سعيد... روح حرّة تبحر في الأفق بإطلالة تعكس هدوء الأعماق وأناقة التمرّد



الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 


في مشهدٍ يأسر الألباب، وقف النجم المصري هيثم سعيد على رصيفٍ خشبيٍ يطلّ على مرآة زرقاء بلا نهاية، البحر من خلفه، والسماء فوقه، والنسيم يداعب شعره المربوط بتلقائية، وكأن الطبيعة كلها اتفقت على أن تحتفي بروحٍ لا تعرف القيد، بإطلالة تشبه الحرية، وتترجم الفلسفة التي اختارها صاحب أغنية "هما مالهم بينا يا ليل" لحياته: أنا أعيش حياتي، كما أريد، دون تكلّف، دون اعتذار، ودون أن أحتاج إلى صخبٍ لأُثبت حضوري، فالحضور حين يكون صادقًا، يكفيه الصمت ليُسمع.


قميص الصيف الاستوائي... حين تتحوّل الورود إلى لغة رجالية


ارتدى هيثم قميصًا مفتوحًا بنقشة استوائية داكنة، تطلّ منه أوراق النخيل والطيور الملوّنة، وكأنها تُحلّق معه في فضاءٍ شخصيّ لا يُشبه أحد، القميص لم يكن مجرد خيار للطقس أو التصوير، بل كان توقيعًا بصريًا على شخصية موسيقيّة تعشق الحياة وتعرف كيف تنسج من تفاصيل بسيطة حالةً من السحر، فهو ليس من أولئك الذين يصرخون بالألوان أو يلهثون خلف الماركات، بل من أولئك الذين يلبسون الفكرة، لا القماش، ويمشون بثقة رجل يعرف كيف يحوّل الشاطئ إلى منصّة عرضٍ صامتة، لكنه يملأها بالحياة.


بنطال الجينز الممزّق... رمزية الزمن والتمرّد الهادئ


هيثم لم يختر جينزًا نظيف الحواف، بل بنطالاً ممزقًا عند الركبتين، وكأنّه يقول: مررت من هنا، واجتزت الكثير، وهذه التمزّقات ليست صدفة، بل تاريخ، في طياتها حكايات تعب وسهر ونجاحات ومواقف، إنها ليست موضة فقط، بل أسلوب حياة، أسلوب رجل نضج من التجربة، وليس من المظهر، رجل يعرف أن الأناقة ليست في الكمال، بل في الجرأة على احتضان النقص، وتقديمه كجزء من الهوية، لا عيبًا يجب إخفاؤه.


ساعة اليد السوداء والنظارات الداكنة... حين تتحدّث التفاصيل بصوت النخبة


في معصمه الأيسر، لامست الشمس ساعة أنيقة، بسيطة لكن قوية، سوداء بلون الصمت، لكنها تحمل توقيتًا لروحٍ لا تُحبّ التأخّر عن حلمٍ أو لقاء، ساعة لا تلفت الأنظار بلمعانها، بل بأثرها، وتُكملها نظارات شمسية داكنة كأنها ستارٌ ناعم يحجب الداخل لتبقى الروح في مكانها، لا تتسرّب، لا تُفسَّر، بل تُحسّ، تلك النظارات ليست موضة فقط، بل مسافة بين الفنان وجمهوره، بين الضجيج والسكينة، بين العادي والاستثنائي.


تسريحة الشعر المربوط... أناقة الرجل الذي لا يلهث خلف القوالب


شعره الطويل نسبيًا مشدود إلى الخلف بربطةٍ واحدة، تسريحة تشبهه تمامًا: بسيطة، واضحة، واثقة، لا تحتاج إلى تبرير أو تفسير، إنها الصورة التي تقول: "أنا لست ما تراه فقط، بل ما تشعر به"، شعره لا يُصفّف بإلحاحٍ كما يفعل الآخرون، بل يُترك كما هو، يُجمع بلطافة، لأنه لا يحتاج إلى هندسة ليُثير الإعجاب، بل يكفيه أن يكون طبيعيًا، ليكون لافتًا.


الخلفية المائية... انعكاس الروح التي لا تُحبّ الحواجز


خلفه بحرٌ هادئ، وبعيدًا تقف أشجار النخيل على الشاطئ مثل شهود صامتين، كأن الصورة بأكملها مأخوذة من رواية فلسفية، كل ما فيها له معنى، لا وجود للضوضاء أو الزيف، فقط ضوءٌ نقي، وماءٌ صادق، وخشبة رصيف عتيقة تُمثّل الثبات وسط التيارات، كأن هيثم يقول: "أنا هنا، على الحافة، لكنني لست خائفًا، لأنني أعلم أن البحر لا يغرق من يعشقه، بل يحتضنه".


وضعية الجسد... لغة الجاذبية التي لا تحتاج إلى كلمات


هيثم يستند على السور الخشبي بيدٍ واحدة، واليد الأخرى في جيب البنطال، نظراته إلى الأفق، رأسه مائل بخفة إلى اليمين، قدم فوق الأخرى، لا توتر، لا تصنّع، لا محاولة لإثبات شيء، فقط حضورٌ يليق بشخصٍ تعلّم أن يكون صديقًا للمكان، ومرافقًا للزمن، رجل لا يواجه العدسة، بل يُرافقها، لا يُحدّق في الكاميرا، بل يوجّهها بلطف إلى ما هو أبعد من المظهر: العمق.


عنوان الصورة: "Free Soul"... وفعلاً، هذه روح حرّة لا تُقيّدها شهرة


وضع هيثم تعليقًا صغيرًا تحت الصورة: "Free Soul"، ولعلّها العبارة الأصدق، لأن هذه الصورة لا تحتاج إلى وصفٍ أطول، لقد قال كل شيء بنظراته، بوقفته، بملابسه، بشَعره، ببحره، وحتى بصمته، لقد اختصر كل ذلك في كلمتين فقط، لأن الأحرار لا يُحبّون الشرح، يكفي أن يشعرهم الآخرون على حقيقتهم، دون سؤال.


خاتمة: هيثم سعيد... فنان لا يلبس الأناقة، بل يعيشها


صورة واحدة، لكنها تختصر مئات المعاني، إنها ليست إطلالة عابرة، بل مشهد سينمائي صامت كتبه هيثم بجسده، واختار أن يُخرجه بنفسه، دون تصنّع، دون كلمات، دون صخب. إنها إطلالة رجل يعيش، لا يستعرض. يُلهم، لا يستعرض عضلاته. يمشي بمحاذاة البحر، لأن البحر يُشبهه: عميق، هادئ، قوي، وصادق.

تعليقات