القائمة الرئيسية

الصفحات

مسلم يتألق بأغنية سوء اختيار من كلمات محمد عبد الرحمن: تريند وأثر عابر للقارات بإحساس صادق وعبقرية بالكلمة



– القاهرة ، الكاتب والناقد الفني عمر ماهر


بعالم الموسيقى يلي بيتغيّر كل نهار، وبيمرق فيه آلاف الأغاني والأنغام والأسماء، في لحظات نادرة بس، بيظهر صوت بيشبهنا، بيحكي وجعنا، وبيرجّعنا لجوّاتنا، وهي اللحظة أجت مع أغنية سوء اختيار بصوت النجم مسلم وكلمات الشاعر محمد عبد الرحمن، الأغنية يلي ما فينا نقيسها بالأرقام، لأن تأثيرها مش محصور بعدّاد مشاهدات ولا بإحصاءات، بل بقلب كل شخص سمعها وقال "هاي بتحكي عني"، هيدا هو الرقم الحقيقي يلي قصده الجمهور، وهيدا هو التفاعل يلي بيخلق موجة فنية حقيقية بتكسر المنطق، وبتوصل من وجع شخصي لصرخة جماعية، فبدل ما نحكي عن "مليار مشاهدة"، خلينا نقولها بصراحة: الأغنية خطفت مليار قلب مشاهدات الإحساس أقوى بكتير من أي رقم على الشاشة، لأنو كل استماع كان بمثابة اعتراف داخلي من المستمع إنو مرّ بتجربة موجعة، واختار غلط، وندم، وضاع، وعبّر أخيرًا عن هالشي من خلال هالعمل الفني الجريء والراقي.


من أول نغمة، ومن أول حرف، بتحس إنك فتت بعالم تاني، عالم فيه صوت بيغنّي بصمتك، وكلمات بتحفر جوّا وجدانك، وألحان بتجمع بين الرهافة والانفجار العاطفي، وهيدا السحر ما كان ممكن يصير من دون كاتب شاعر حساس متل محمد عبد الرحمن، يلي كتب النص كأنو مراية مكسورة شايف فيها كل وجعنا، ولحّنها معاذ زين بإحساس عالي المستوى، وعزّزها الموزّع إسلام شوقي بأسلوب حديث بيخلي الأغنية عابرة للزمن، فنية، راقية، ومعاصرة بنفس الوقت، وهون مش إنجاز فردي، بل حالة جماعية ناضجة وراقية من الفن الحقيقي.


المسؤولية الكبيرة يلي حسّ فيها فريق العمل من لحظة ما خلقت الفكرة، كانت واضحة بكل مرحلة، ومن أول ما وصلت لمسلم، صار المشروع حالة خاصة، مش بس أغنية، صار قضية فنية شخصية، اشتغل عليها بحب وتفاني كأنو عم يرسم قصة من حياته، وهيدا تحديدًا السر يلي خلا المستمعين يصدقوا كل حرف، كل تنهيدة، كل جملة، لأنو مسلم غنّى الحقيقة، مش مجرّد نص، غنّى الندم عن قناعة، والحزن بوعي، والتعب بعينين مليانين خبرة وأمل بنفس الوقت، فكانت النتيجة عمل نادر بيجتمع فيه الصدق الفني مع العمق الإنساني.


والتفاعل يلي اجا بعد إصدار الأغنية، ما كان حملة دعائية مدفوعة، ولا تريند مصطنع، بل انفجار عضوي من الناس يلي شافوا حالن بهالعمل، ورجعوا سمعوه أكتر من مرة، وشاركوه مع أصحابن، وكتبوا عنه، وصار جزء من يومياتن، كأنو الصوت يلي كانوا ناطرينه من سنين، فصار اسم الأغنية محفور مش بين القوائم، بل بقلوب الناس، وهيدا هو المجد الحقيقي لأي فنان… لما يكون صوتو موجود بنص حياة الناس بلا ما يطلب أو يفرض.


أما بالنسبة لكل حديث عن "أرقام"، فاللي صار بيأكد إنو القيمة الحقيقية ما بتنقاس بعدد، بل بالشعور، ووقت نقول "مليار"، نحنا ما كنا عم نحكي عن رقم رقمي، بل عن حالة شعورية ضخمة، عن ملامح ناس عم تبكي من وجع الكلمات، عن ناس عم تضحك من مرارة الذكرى، عن كل شخص حسّ حالو مش لوحدو بهالعالم، بس سمع سوء اختيار، من هون كان تعبير "مليار قلب" مش مبالغة، بل وصف دقيق لحجم التفاعل، حجم التأثّر، وصدق الوجع، ولهيك، الأرقام ممكن تتغير وتطلع وتنزل، بس الحقيقة الوحيدة يلي بتضل، إنو العمل إذا صادق، رح يخلق قيمتو بنفسو، ويصير أكبر من أي عدّاد أو حساب.


وهون نرجع نرفع القبعة لمسلم، يلي بصوتو الراقي، وبأدائو الصادق، أثبت إنو الفنان الحقيقي مش لازم يصرّخ ليشد الانتباه، ولا يركّض وراء ضجّة، لأنو الفن الراقي بيفرض حالو، وبيوصل، وبيعيش، ومن خلال سوء اختيار، مسلم دخل مرحلة فنية أعمق، مش بس بالموسيقى، بل بالمكانة يلي صار فيها، بين الناس، وبين زملائه، وبين النقاد.


وما فينا نختم إلا بتحية كبيرة للشاعر محمد عبد الرحمن، يلي كتب بصوت الناس، وبقلم موجوع، وقدّم نصّ فيه من الرقة قد ما فيه من القوة، وهيدا التوازن هو أصعب شي ممكن ينعمل، بس هو عملو بإتقان، وباحترام لمشاعر الناس، وفتح بواب جديدة للكلمة تكون شريك أساسي بتكوين الحالة الغنائية، مش بس مكمّلة، والنتيجة كانت أغنية بتاخدك من أول حرف، وبتضل ساكنة جواك.


بالمحصّلة، سوء اختيار مش مجرّد ضربة نجاح، هي ضربة إحساس، وأكبر من أي رقم، وأعمق من أي تريند، وهيّا الدليل الأوضح إنو الأغنية إذا حقيقية، بتاخد نفس الناس قبل آذانن، وبتزرع حالة رح تبقى، مهما تغيّرت الأرقام، ومهما طلع تريند جديد، لأنّ القلوب مش شاشة، ووجع الناس ما بينقاس بالمليون.

تعليقات