القاهرة الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
جمال عبد الناصر.. فنان ما بيشبه حدا، وصوت تمثيلي لما بيحكي بيوقف الزمن، حضورو بالمشهد مش بس وجود جسدي، بل قوة بتسحبك لعالم خاص فيّ، عالم كلّو إحساس، توتر، وأبعاد نفسيّة ما بتنقرا بسهولة. بهالمسلسل الجديد "220 يوم"، اللي عم بيجمع نخبة من كبار النجوم بوجبة دراميّة دسمة، جمال ما بيجي متل أي بطل، هو نكهة خاصة، لمعة فريدة، وشخصيّة إلها دور محوري جوّا الحكاية، متل حجر الأساس بأي بنيان.
بمجرد ما تطلع صورته بين الممثلين، بتعرف إنه عم يحضّر شي تقيل، مشهد من اللي بيخلّي الناس تنسى تتنفس، مشهد بيخلي قلبك يدق مع كل كلمة بيقولها، مع كل نَفَس بياخده، ومع كل حركة بيعملها حتى لو كانت بسيطة. جمال عبد الناصر، اللي مرّق سنوات طويلة بالساحة، ما تغير، بالعكس، كل سنة بتضيف له وزن تمثيلي أعمق، كأنه بيتمرّن على التعبير أكتر ما بيتنفس، وكأنه بياخد من الحياة خبرة وبيعطيها للكاميرا بدون أي تزييف.
اللي بيعرف جمال، بيعرف إنه مش بحاجة لصرخات ولا حركات زايدة ليوصل الإحساس، هو بيعتمد على الكتمان، على ملامح وجهه اللي بتحكي بلا صوت، على نبرة صوته اللي بترجف أوقات وبتقسى أوقات تانية، وعلى عينين بيوصلوا القصة كلها قبل ما تبدأ الكلمة الأولى بالمشهد. بهالمسلسل، من إخراج كريم العدل، وتأليف محمود زهران، وسيناريو سمر بهجت ونادين نادر، ما فينا ننكر إنه في بيئة خصبة للإبداع، بس جمال عبد الناصر بياخد هالبيئة وبيزرع فيها ورد تمثيلي، بيرويها بإحساسه، وبيخلي المشاهدين يقطفوا لحظات صدق من اللي نادر تلاقيه هالأيام.
المسلسل مكوّن من 15 حلقة، بس كل حلقة، بوجود جمال، بتتحوّل لرحلة نفسية، كل جملة منه بتخلّي المشاهد يسأل حاله أسئلة، كل سكوت منه بيحكي روايات. هو بيعرف كيف يعمل pause من دون ما يبرد، بيعرف كيف يسكت من دون ما يغيب، وبيعرف كيف يصرّح من دون ما يفقد الوقار.
جمال ما بينحصر بدور معيّن، ولا بينحبس بقالب، بالعكس، هو فنان بينتقل من شخصية للتانية برشاقة عالية، وكأنه عايش مية حياة.
ومش غريب عليه إنه يكون بمسلسل بيتناول 220 يوم من الصراع أو التحوّل أو القصة، لأنه هو بنفسه ممثل بيمرق بـ220 مزاج خلال مشهد واحد، بيعرف كيف يكون قوي بوجّك، وبيعرف كيف ينهار بين سطور السيناريو. جمال عبد الناصر اليوم بيمثّل الجسر بين الجيل اللي تعوّد على الدراما الثقيلة، الصادقة، والجيل اللي بعده عم يتعلّم، عم يكتشف، وعم يدوّر على قدوة. وهو قدوة بالفعل، قدوة للصدق بالشغل، للتفاني، وللإخلاص للفن مش للشهرة.
وإذا بدنا نحكي عن الكاست اللي حوله، من كريم فهمي، لصبا مبارك، لعلي الطيب، لحنان سليمان، لعايدة رياض، لميرا دياب ولينا صوفيا، بنكتشف إنه جمال عبد الناصر مش بس عم يشارك مع أسماء، هو عم يتفاعل، يتداخل، يخلق معهم كيميا بتنعكس علينا كمشاهدين.
ما بيغار، ما بيحاول يخطف الكاميرا، لأنه هو الكاميرا بتنجذب لحاله من تلقاء نفسها. في فرق بين الممثل اللي بيلفتك بالصوت العالي، وبين اللي بيلفتك لأنك بتحس فيه، وبهالمسلسل، جمال رح يخليك تحس بكل تفصيل صغير وكأنك شريك بالحدث.
"220 يوم" مش بس عنوان، هو فترة بتعني شي كتير كبير، ويمكن يكون فيها حرب، أو حب، أو فقدان، أو رحلة داخليّة، وجمال عبد الناصر أكتر واحد بيعرف كيف يترجم هالفترات الزمنية بأداء بطيء وساحر، كأنه عم يرسم بريشة ممثل عتيق فاهم كل ملمح، كل زاوية، وكل شقفة من دورو.
والمثير بالموضوع إنه مش بحاجة يبرّر حاله، ولا يشرح حاله، لأنه بمجرد ما بيوقف قدّام الكاميرا، بتنسى إنك قدّام مشهد، وبتفكّر حالك قدّام واقع حيّ، قدّام شخص عن جدّ عايش المشكلة، عايش القصة، وعايش كل النيران اللي عم تاكله من جوّا.
الدراما مش تمثيل بس، الدراما فلسفة، وجمال عبد الناصر فنان بيشتغل بعمق، بيقرا النص مش بس ليحفظه، بل ليترجمه بلغة خاصة فيه، لغة بيحسّها اللي عنده قلب، وبيفهمها اللي عنده نظر. بلبنان، بمصر، وبكل الوطن العربي، صار معروف إنه هالممثل مش عادي، هو حالة متكاملة، هو "أستاذ أداء"، وأدواره بيحفظوها الناس مش بس لأنّها مكتوبة منيح، بل لأنّه هو بيعطيها نبض الحياة.
وبالنهاية، إذا بدك تحكم على نجاح "220 يوم"، لا تطلع بس على القصة، ولا على عدد المشاهدات، طلع على عيون الناس وهني عم بيحكوا عن مشهد لجمال، عن نَفَس أخدو معهم بعد ما خلصت الحلقة، عن دمعة نزلت بلا ما يحسّوا، وعن جملة ضلّت ترنّ براسهم كل الليل.
هيدا هو جمال عبد الناصر، وهيدا هو الفن الحقيقي.. لما يكون عندك نجم ما بينحصر بلقطة، بل بيبقى عايش فيك، متل الأغنية اللي بتضل تلحقك لو شو ما عملت.
تعليقات
إرسال تعليق