بقلم : علي فتحي
تشهد ليبيا اليوم تصاعدًا خطيرًا في التوترات ، حيث يبدو أن تركيا قد عادت مرة أخرى إلى استراتيجية حشد الميليشيات المتطرفة في غرب البلاد وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري وللاستقرار الإقليمي ككل ، هذه التحركات تأتي في سياق محاولات تركيا لاستعادة نفوذها عبر دعم الجماعات المسلحة والتنظيمات المرتبطة بأيديولوجيات متطرفة وذلك بهدف السيطرة على مفاصل الدولة الليبية واستخدامها كنقطة انطلاق للضغط على الدول المجاورة وعلى رأسها مصر .
هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها تركيا لتوسيع نفوذها في ليبيا فقد سبق لها أن دعمت الميليشيات في الغرب الليبي خلال السنوات الماضية ، مستغلة حالة الانقسام الداخلي والصراع السياسي في البلاد .
وخلال عام 2020 تدخلت مصر بقوة على الساحة الليبية رافعة شعار حماية الأمن القومي المصري ومحددة خط (سرت-الجفرة) كخط أحمر لا يمكن تجاوزه وقد جاء هذا الموقف المصري الحاسم بعد أن شهدت المنطقة الغربية في ليبيا تحركات مكثفة من تركيا والميليشيات الموالية لها والتي كانت تهدف للتقدم نحو الشرق الليبي والسيطرة على مدينة بنغازي وهو ما كان سيمثل تهديدًا مباشرًا للحدود المصرية الغربية .
إن الموقف المصري قد أجبر تركيا وقتها على التراجع والقبول باتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته أطراف دولية حيث أذعن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحذيرات الجيش المصري متجنبًا مواجهة عسكرية قد تكلفه خسائر سياسية واقتصادية كبيرة .
واليوم تعود تركيا إلى الساحة الليبية بنفس الأدوات.متجاهلة الاتفاقات السابقة حيث تشير التقارير إلى أنها تقوم مجددًا بحشد ميليشيات متطرفة جهادية وقبلية في غرب البلاد ، في خطوة تعكس إصرارها على استغلال حالة الفوضى في ليبيا لتحقيق مكاسب استراتيجية ، هذه التحركات ليست مجرد محاولات لتوسيع النفوذ التركي في ليبيا ، بل هي أيضًا تهديد مباشر للأمن القومي المصري حيث تسعى تركيا لإعادة تمكين جماعة الإخوان المسلمين التي تراها القاهرة خطرًا وجوديًا في ليبيا كجزء من خطة أوسع لزعزعة استقرار مصر والمنطقة فمصر تدرك جيدًا خطورة هذه التحركات وقد أظهرت في الماضي قدرتها على الردع سواء عبر المواقف الدبلوماسية الحازمة أو عبر الاستعداد العسكري الذي جعل خط سرت-الجفرة ثابتًا غير قابل للتجاوز ومع ذلك ، فإن العودة التركية للرهان على الميليشيات تحمل في طياتها تحديات جديدة حيث أن استمرار دعم الميليشيات سيؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي والأمني في ليبيا ما قد يعيد البلاد إلى دائرة الصراع المفتوح.
إن التعامل مع هذا التهديد يتطلب استراتيجية شاملة تجمع بين التحركات السياسية والعسكرية والدبلوماسية فسياسيًا يجب على مصر الاستمرار في دعم جهود المصالحة الليبية والعمل على توحيد المؤسسات الوطنية في ليبيا حيث إن وجود دولة ليبية قوية ومستقرة هو أفضل ضمانة ضد التدخلات الخارجية . عسكريًا من الضروري أن تظل القوات المسلحة المصرية في حالة جاهزية تامة مع تعزيز انتشارها على الحدود الغربية وإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الدول الصديقة والحليفة لتأكيد جاهزيتها لردع أي تهديد محتمل أما دبلوماسيًا يتعين على مصر حشد الدعم الإقليمي والدولي لتشكيل جبهة موحدة ضد التدخل التركي في ليبيا مع التركيز على العمل مع القوى الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالإضافة إلى الدول العربية التي تشارك مصر نفس المخاوف بشأن التهديدات التركية .
لا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي في هذه الأزمة حيث إن دعم ليبيا اقتصاديًا وتنمويًا سيكون عنصرًا أساسيًا في تقويض نفوذ الميليشيات المسلحة التي تستغل الفقر والبطالة لتجنيد الشباب ولتحقيق الاستقرار الاقتصادي في ليبيا الذى لن يفيد فقط الشعب الليبي بل سيحرم تركيا من إحدى أدواتها الرئيسية في تحقيق أهدافها التوسعية .
إن الوضع في ليبيا معقد للغاية لكنه أيضًا فرصة لمصر لتأكيد دورها القيادي في المنطقة لكن التحركات التركية الأخيرة فى ليبيا تمثل اختبارًا جديدًا لقدرة مصر على حماية أمنها القومي وإدارة الأزمات الإقليمية فالأيام القادمة ستكون حاسمة حيث إن استمرار التصعيد قد يدفع المنطقة نحو سيناريوهات غير محسوبة ولكن المؤكد أن مصر لن تتوانى عن اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية أمنها واستقرارها بما في ذلك التعاون مع قوى إقليمية ودولية لإعادة تشكيل المشهد الليبي بما يخدم مصلحة جميع الأطراف باستثناء الأطراف الداعمة للتطرف والفوضى .
تعليقات
إرسال تعليق