الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في مشهد لا يخلو من المفارقات، وبين ثنايا الجدية التي تفرضها ساحات القضاء وبين روح الدعابة التي يتميز بيها في منشوراته، قرر المحامي محمد طه إنه يحتفل بانتصار قضائي كبير على طريقته الخاصة، فكتب منشور ساخر مليان خفة دم وذكاء في نفس الوقت: "الحمد لله براءة في 17 طن بانجو وحيازة (دبابة) بدون ترخيص وخشروميت قرص كبتاجون وكيس بست وبسكوتة شمعدان 😜😂". جملة واحدة كفيلة إنها تثير جدل وضحك في نفس اللحظة، لأن الجمع بين الألفاظ القانونية الثقيلة وروح المزاح الخفيفة بيكشف عن شخصية فريدة بتعرف إزاي تكسر قوالب الروتين وتدي للناس صورة جديدة عن المحامي اللي مش محصور في صورة جامدة أو جدية مفرطة.
المنشور ده ما كانش مجرد كلام عابر، لكنه تحول لموضوع نقاش بين المتابعين، اللي شافوا فيه ذكاء قانوني بيختلط بدهاء اجتماعي، فواحد من المتابعين سأل بسخرية عن سر البراءة في قضية بالشكل ده، وجاء رد محمد طه أقوى من أي مرافعة، رد مش قانوني بالمعنى الحرفي، لكنه قانوني بالمعنى الفني والساخر، لما كتب: "بموجب المادة 1 من قانون (يا ما في الجراب يا حاوي)، وبالاستناد إلى مبدأ (اللي ما يتسمى ما يتلبس)، نعلن أن المتهم قد خرج من المعركة القضائية منتصرًا، بعد أن أثبتت المحكمة أن الـ17 طن بانجو كانوا مجرد ديكور تصوير، والدبابة كانت لعبة أطفال بحجم XXL، والكبتاجون اتضح إنه فيتامينات مغشوشة، والبست والبسكوتة شمعدان كانوا ضمن حملة غذائية لدعم المزاج العام". الرد ده مش بس ضحك الناس، لكنه كشف قد إيه محمد طه عارف يوصل رسالة واضحة: البراءة تحققت، والقضاء قال كلمته، لكن بطريقته الخاصة اللي خلت الجميع يبتسموا وهما يقروا.
المتابعين لقوا نفسهم مش عارفين يحددوا إذا كان بيمزح ولا بيتكلم جد، ودي في الحقيقة نقطة قوته. لأنه قدر يحول قضية ضخمة اتقال فيها أرقام مخيفة زي "17 طن بانجو" و"دبابة" و"خشروميت قرص كبتاجون" إلى مادة ساخرة يتداولها الناس بخفة، من غير ما يفقد هيبة الموقف القانوني ولا يقلل من قيمة العمل اللي اتعمل داخل المحكمة. هو هنا بيلعب على الخط الفاصل بين السخرية والجدية، بين القانون والواقع، بين القاعة الباردة للعدالة ودفء الروح المصرية اللي بتضحك حتى في أصعب المواقف.
واللي لفت الأنظار أكتر هو طريقته في استخدام الرموز والاستعارات، لما وصف الدبابة بأنها لعبة أطفال XXL، والكبتاجون على إنه مجرد فيتامينات مغشوشة، والبست والبسكوتة شمعدان باعتبارهم حملة غذائية لدعم المزاج العام. التشبيه هنا مش بس ضحك الناس، لكنه أظهر جانب عبقري في صياغة الردود، جانب بيكشف إن المحامي مش لازم يفضل محبوس في لغة جامدة، لكنه يقدر يطوع اللغة ويوظفها بشكل يخلي رسالته أقوى وأقرب للجمهور.
محمد طه بمزاحه ده قدم صورة مختلفة للمحامي، صورة مش مجرد "محامي جاد في المحكمة" لكن كمان "شخصية اجتماعية بتعرف توصل للناس"، شخصية بتقدر تتعامل مع القضايا الكبيرة بنفس الخفة اللي ممكن تحكي بيها نكتة. وده في الحقيقة مش تقليل من قيمة المهنة، بالعكس ده بيدّيها أبعاد أوسع، لأن المحامي في النهاية مش بس محامي أمام القاضي، لكنه كمان جزء من المجتمع، لازم يعرف إزاي يخاطب الناس، ويقرب منهم، ويوصل ليهم رسائل قانونية صعبة بطريقة تخليهم يستوعبوا ويفهموا.
ومع كل ده، فضل الناس يتساءلوا: هل هو بيمزح ولا بيتكلم جد؟ الحقيقة إن الإجابة يمكن تكون في النص اللي كتبه نفسه، لما ختم: "وبناءً عليه، نهنئ سيادته على البراءة، ونوصي بعدم تكرار تجربة قيادة الدبابة بدون رخصة، حتى لا يُساء فهم النية مرة أخرى. القضاء قال كلمته، والعدالة انتصرت... والبسكوتة في أمان 😂😂". هنا تتضح فلسفته كلها: هو بيأكد على قوة القانون وانتصار العدالة، لكن بيخلي القارئ يضحك في نفس الوقت، وده مزيج نادر صعب أي حد يوصله.
الليلة دي، محمد طه احتفل بانتصار قانوني كبير، لكن بطريقته، بطابع مختلف، بروح الدعابة اللي بتميزه، واللي بتخلي اسمه دايمًا مرتبط مش بس بالمرافعات القوية لكن كمان بالمنشورات الساخرة اللي بتخلي الناس تتابعه وتضحك وتفكر في نفس اللحظة. ولحد دلوقتي، يمكن محدش يعرف إذا كان بيتكلم جد ولا بيهزر، لكن المؤكد إن المحامي محمد طه عارف كويس إن الضحك أحيانًا بيكون أقوى من أي حكم، وإن الكلمة الساخرة ممكن يكون تأثيرها أعمق من أي خطاب مطول.

تعليقات
إرسال تعليق