القائمة الرئيسية

الصفحات

حين حسدتُ فقيرًا سعيدًا

لم أكن يومًا ممّن يُبتلى بالحسد…
لكنني حين رأيته، أدركت أن القلب قد يطمع بما لا يُشترى.

كان جالسًا على الرصيف،
قميصه باهت،
حذاؤه مثقوب،
وجهه متعب كأرض عطشى،
ومع ذلك… كان يضحك.

ضحكة صافية،
عميقة،
تتدفق كجدول صغير لا يعرف معنى الانقطاع.
ضحكة بدت لي أثمن من كل ما أملك.

وقفت أمامه مأخوذًا…
أنا، الذي أملك بيتًا منظمًا،
وملابس مرتبة،
وحسابًا يضمن لي "الكرامة".
كنت أنظر إليه كما ينظر العطشان إلى ماءٍ في كفّ غيره.

أي سر يحمله هذا الفقير؟
أي يقين أسكن قلبه حتى صار أخف من الريح؟
لماذا لم تمنعه ثقوبه من الضحك،
بينما لم تنجح امتلاءاتي في منعي من الانطفاء؟

تسلل الغيظ إلى داخلي.
غيظٌ من حياتي المليئة بالقلق،
من أشيائي التي تتكاثر حولي ولا تمنحني السلام،
من امتلاءٍ يشبه الفراغ الكبير.

حسدته…
نعم، حسدته.
لا على مال، ولا على جاه،
بل على قلبٍ يعرف الرضا.
على عينين تُغمضان بطمأنينة،
على روحٍ تستيقظ كل صباح خفيفة، لا تَحمل أحدًا على كتفيها.

وحين مررت بجانبه،
رفع عينيه نحوي بابتسامة هادئة،
كأنها تقول لي بصمتٍ واضح:
"سعادتي ليست فيما أملك… بل فيما لم أعد أريده."

عندها فقط فهمت:
أن الحسد لا يختار دائمًا أصحاب الذهب،
بل أحيانًا يختار أولئك الذين يضحكون…
رغم أن جيوبهم فارغة.

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات