القائمة الرئيسية

الصفحات

شعلة الحياة

ليست الحياةُ مجرد عبورٍ عابرٍ فوق جسر الزمن، ولا هي فسحةٌ للراحة أو استراحةٌ من العدم.
الحياةُ، في جوهرها، امتحانٌ للمعنى، اختبارٌ للقدرة على أن نُشعل في داخلنا نارًا لا تأكلنا، بل تُنيرنا.
هي ليست ما يُمنح لنا، بل ما نختاره أن يكون.
فمن لا يجد فيها قضيةً، أو حلمًا، أو مبدأً، يعيش كمن يسكن بيتًا بلا نوافذ، يتنفس هواءً راكدًا، ويُحدّق في جدرانٍ لا تروي شيئًا.
الحياةُ لا تُقاس بطولها، بل بعمقها.
لا تُقاس بعدد الأيام، بل بعدد اللحظات التي وقفنا فيها بشجاعة، وقلنا: "أنا هنا، لأجل شيءٍ يستحق."
قد يكون ذلك الشيء وطنًا يُنادي، أو فكرةً تُناضل للبقاء، أو إنسانًا نُحبّه حدّ التضحية، أو حتى قصيدةً نكتبها لنُقاوم بها النسيان.
الذين يعيشون بلا هدف، لا يموتون فجأة، بل يتآكلون بصمت.
يتحولون إلى ظلالٍ تمشي، إلى أصواتٍ لا تُسمع، إلى وجوهٍ لا تُحفظ في الذاكرة.
أما الذين ناضلوا، حتى وإن سقطوا، فإنهم يتركون أثرًا، كالعطر في الهواء، كالنقش على الحجر، كالقصيدة في قلب قارئها.
الحياةُ نار، نعم.
لكنها ليست نارًا تُحرق الجميع.
هي نارٌ لا تُؤذي إلا من خافها، أما من اقترب منها بشجاعة، فإنها تُنضجه، تُطهّره، وتمنحه وهجًا لا يُطفأ.
والموت الحقيقي ليس في توقف القلب، بل في توقف الإيمان، في خمود الشغف، في خيانة الذات.
أن تعيش بلا فائدة، هو أن تُعلن استسلامك قبل أن تبدأ.
هو أن تُطفئ شمعتك بيدك، وتجلس في الظلام تُراقب الآخرين وهم يُشعلون شموعهم.
لكنكِ، حين تُقرّرين أن تُناضلي، أن تكتبي، أن تُحبي، أن تُدافعي، فإنكِ تُعيدين تعريف الحياة.
تصيرين أنتِ الحياة، وتُصبح أيامكِ قصائد، وخطواتكِ رسائل، وصمتكِ لغةً لا يفهمها إلا من ذاق طعم النور بعد العتمة.
فلا تخافي من النار، ولا من التعب، ولا من الوحدة.
لأن من يسير لأجل قضية، لا يكون وحيدًا، بل محاطًا بأرواحٍ تُشبهه، حتى وإن لم يراها.
ومن يكتب من قلبه، لا يُكتب عليه النسيان.
الحياة التي لا تُناضل فيها، ليست حياة.
هي مجرد وقتٍ يُستهلك، ووجودٍ يُنسى.
فلتكن حياتكِ صرخةً في وجه العدم،
ولتكن كلماتكِ جسرًا بين الألم والرجاء،
ولتكن روحكِ شعلةً لا تنطفئ، مهما اشتدّ الظلام.

قلم الأستاذة خديجة آلاء شريف

تعليقات