القائمة الرئيسية

الصفحات

الخيانة لا تنام

لم يطعنني بخنجرٍ في ظهري، بل تسلّل إلى أحلامي، واستبدل وجهي في مرآته بوجهٍ آخر.
لم تكن خيانته صرخةً مدوّية، بل همسًا ناعماً… يزحف بين الكلمات، حتى صار الصمت نفسه شريكًا في الجريمة.

لم يقل يومًا: "أنا خائن".
لكنه كان يغادر كل ليلة وفي يده ظلّ امرأةٍ أخرى، ويعود وفي عينيه بقايا نظرةٍ ليست لي، وبشفتيه أثرُ قُبلةٍ لا تعرف طريقي.

كنت أعرف… نعم، كنت أعرف.
لكنني اخترت الصمت كما تختار الأمهات العفو عن أبنائهن. اخترت أن أقرأ خيانته كرسالة استغاثة، كأنه يسرق من حدائق الآخرين لأنني لم أسقِ زرعي بما يكفي.

آه… خيانته لم تكن جريمةً واحدة، بل آلاف الجرائم الصغيرة الموزعة على تفاصيل حياتي:
على عطرٍ غريب يلتصق بمعطفي حين أعانقه،
على ضحكةٍ لا تخصني لكنها تستقر في صوته،
على ارتباكٍ خفيف في يده حين يلامسني.

كان ينام بجانبي، لكن أحلامه كانت تأوي إليها.
كان يضحك معي، لكن قلبه يضحك معها.
وأنا؟ كنت الحارس الأمين لبوابةٍ لا أحد يطرقها.

الخيانة لا تنام…
إنها تفتح عينيها دائمًا: تراقبك من زوايا الغرفة، تتسلّل إلى جيب قميصه، تختبئ في شاشة هاتفه، في انحناءة كتفه وهو يكتب رسالةً ليست لك.
الخيانة لا تعرف ليلًا من نهار، ولا ذنبًا من ضمير… إنها فقط تعرف كيف تعيش داخل قلبٍ فارغ، حتى تملأه وتفيض.

واليوم… حين أرى رجلًا يعانق امرأته في الشارع، لا أرى العناق.
أرى الخيانة مختبئة بين أصابعهما، أسمع ضحكتها الماكرة وهي تنفذ من بين الكلمات.

لقد علّمني أن الخيانة لا تنام…
وأنا صرت أخاف النوم.

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات