القائمة الرئيسية

الصفحات

الخائن الذي أنقذني

لم أفهم معنى النجاة إلا على يديه…
هو الذي طعنني أول مرة، وهو الذي أنقذني آخر مرة.
مفارقة؟ ربما. لكن حياتي لم تكن يومًا سوى مفارقة طويلة.

لم يخنني بالكلمات وحدها،
بل خانني بالصمت… بالابتسام… بالغياب.
كلما التفتُّ نحوه وجدته مع غيري،
يضحك لأحاديث لا تخصني،
ويعطي من دفئه لوجوه لا تشبهني.
ومع ذلك كنت أعود إليه.
أعود كما يعود الغريق إلى الموج،
عارفًا أن الموج سيبتلعه في النهاية.

كنت أكرهه،
لكن كرهه كان حبًا متنكرًا.
كنت أصرخ في داخلي: "لماذا؟"
وفي العمق كنت أعرف الجواب:
لأنني كنت أحتاج خيانته كي أرى نفسي بوضوح.

حين تركني في اللحظة التي انهارت فيها الأرض من تحتي،
ظننت أنها نهايتي.
لكن تلك الخيانة،
ذلك الانسحاب القاسي،
أجبرني على أن أمد يدي لنفسي للمرة الأولى…
أن أنتشلني من الحافة التي كنت أتدلى منها بانتظار يده.

هو الخائن الذي بعثرني،
لكنه أيضًا الخائن الذي أعادني إليّ.
لو لم يخذلني، لبقيت ظلًّا له حتى أفقد ملامحي كلها.
ولو لم يخنني، لما تعلمت أن أكون وفية لنفسي أخيرًا.

اليوم، حين يمرّ كظل بعيد،
لا أرى خيانته… أرى هديته.
لا أرى الطعنة… أرى الدرس.
ولا أرى الرجل الذي كسرني،
بل الرجل الذي أنقذني… بخيانته.

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات