لا يسألني الناس كثيرًا، لكن حين يفعل أحدهم، أبتسم وأرد باقتضاب:
"أنا بخير."
ثم أسرع في تغيير الحديث، كأن السؤال كان خطأ، وكأن الإجابة لا تحتمل أكثر من هذه الكلمة القصيرة.
لكنني لست بخير…
لا بالمعنى الذي نردده باطمئنان،
ولا بالطريقة التي تُقنع من يهمّه أمري.
أنا بخير…
كما يكون الغريق الذي تعلّم كيف يحبس أنفاسه،
والطائر الذي نسي طعم التحليق،
والنبتة التي تنمو في العتمة… ببطء، وبصمت، وبدون أحد.
أنا بخير…
بالطريقة التي لا تُرى في الملامح،
ولا تُكتشف في نظرات العابرين،
لكنها تقرأ نفسها كل ليلة في مرآة الروح،
فتتنهد… ثم تكمل.
أنا بخير،
لأنني تعبت من الشرح،
ولأن الحديث لا يُجدي حين لا يفهمك أحد.
لأنني جرّبت أن أقول "أنا لست بخير"،
فبدت الكلمة ثقيلة على مسامعهم،
أثقل من أن يحملوها، وأخف من أن يُصدقوها.
كل ما فيّ يبدو طبيعيًا…
وجهي، صوتي، ردود أفعالي، مشاركتي في الحياة.
لكن خلف ذلك… هناك مقعد خالٍ في داخلي،
كان يشغله شيء لا اسم له، رحل منذ زمن، ولم يسأل عنه أحد.
لهذا، أقولها ببساطة:
"أنا بخير"…
لا لأنها الحقيقة،
ولا لأنها كذبة،
بل لأنها الدرع الأخير الذي أختبئ خلفه،
حين لا أجد مساحة للانهيار.
أنا بخير…
بطريقة لا تحتاج تفسيرًا،
ولا تقبل عتابًا،
ولا تحتمل سؤالًا آخر بعدها.
أنا بخير…
بطريقتي الخاصة،
بطريقتي الهادئة، الصامتة، البعيدة…
التي لا يلاحظها أحد،
ولا تُقلق أحدًا،
ولا تُنقذني.
لكنها الطريقة الوحيدة التي تعلّمت أن أعيش بها…
وأستمر.
تعليقات
إرسال تعليق