بقلم: فؤاد زاديكى
أَعْتَرِفُ وَ أَنَا أَتَقَلَّبُ فِي مَوَاقِفِ الْحَيَاةِ، وَ أُسَايِرُ أَيَّامَهَا بَيْنَ حُلْوِهَا وَ مُرِّهَا، بِكُلِّ مَا أُوتِيتُ مِنْ ضَمِيرٍ وَ إِرَادَةٍ وَ عَقْلٍ رَاجِحٍ، أَنَّنِي لَا أَسْتَأْهِلُ هَذِهِ النِّعَمَ الْعَظِيمَةَ وَ الْعَطَايَا الرَّبَّانِيَّةَ الْجَلِيلَةَ. فَمَا كُنْتُ لِأَبْلُغَ هَذَا الْمَقَامَ، وَ لَا لِأَتَمَتَّعَ بِهَذَا الْعَيْشِ الْكَرِيمِ، لَوْلَا مَنٌّ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٌ. كَمْ مِنْ مِرَارٍ تَقَصَّرَتْ خُطَايَ، وَ تَاهَتْ بَصِيرَتِي، وَ تَزَعْزَعَتْ قَدَمَايَ، ثُمَّ مَا لَبِثْتُ أَنْ وَجَدْتُ يَدَ الْعَوْنِ تَنْتَشِلُنِي، وَ نُورَ الْهِدَايَةِ يَرْشُدُنِي. هَذَا لَيْسَ بِجُهْدِي وَ لَا بِحَوْلِي وَ لَا بِقُوَّتِي، بَلْ هُوَ تَجَلٍّ لِرَحْمَةٍ تَسَعُ كُلَّ شَيْءٍ.
لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي مَا يُؤَهِّلُنِي لِهَذَا الْإِغْدَاقِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي يَعُمُّنِي مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ صِحَّةٌ فِي بَدَنِي، أَمْنٌ فِي وَطَنِي، سَكِينَةٌ فِي قَلْبِي، أَهْلٌ وَ أَحْبَابٌ يَمْلَؤونَ حَيَاتِي دِفْئًا وَ أُنْسًا. كُلُّ نَفَسٍ أَتَنَفَّسُهُ، وَ كُلُّ لَحْظَةِ سُرُورٍ أَعِيشُهَا، هِيَ هِبَةٌ مِنْ فَوْقِ رَبِّ المَجدِ، لَمْ أَطْلُبْهَا بِلِسَانِ حَالٍ مُسْتَحِقٍّ، وَ لَمْ أَسْعَ إِلَيْهَا بِعَمَلٍ يَرْتَقِي إِلَى قَدْرِهَا. لِهَذَا السَّبَبِ بِالذَّاتِ، أَنَا دَائِمُ الشُّكْرِ، كَثِيرُ الِامْتِنَانِ. لِسَانِي لَا يَفْتُرُ عَنْ حَمْدِ الْمَوْلَى، وَ قَلْبِي لَا يَنْسَى عَطَايَاهُ. كُلُّ يَوْمٍ أَبْدَأُهُ بِشُكْرٍ، وَ كُلُّ لَيْلَةٍ أُسْدِلُ سِتَارَهَا بِحَمْدٍ.
إِنَّ هَذَا الشُّعُورَ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَوَاضُعٍ ظَاهِرِيٍّ، بَلْ هُوَ يَقِينٌ رَاسِخٌ فِي أَعْمَاقِ الرُّوحِ. إِنَّهُ دَافِعٌ قَوِيٌّ لِتَقْدِيرِ كُلِّ نِعْمَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ، وَ لِلْحِرْصِ عَلَى عَدَمِ نِسْيَانِ صَاحِبِ الشَّأْنِ وَ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. إِنَّهُ يَدْفَعُنِي لِلْإِصْلَاحِ مِنْ نَفْسِي، وَ لِلسَّعْيِ لِأَكُونَ عَبْدًا شَاكِرًا مُتَوَاضِعًا. فَكَيْفَ لَا أَشْكُرُ مَنْ جَعَلَ الْقَنَاعَةَ كَنْزًا لَا يَفْنَى؟ وَ كَيْفَ لَا أَمْتَنُّ لِمَنْ زَرَعَ فِي قَلْبِي الرِّضَا بِمَا قَسَمَ؟ حَقًّا، إِنَّ هَذِهِ الْعَطَايَا تَفُوقُ كُلَّ حَدٍّ وَ تَقْدِيرٍ، وَ هِيَ دَليلٌ عَلَى كَرَمٍ لَا يُضَاهَى. فَلَكَ الْحَمْدُ يَا رَبِّي حَتَّى تَرْضَى، وَ لَكَ الشُّكْرُ عَلَى مَا أَنْعَمْتَ وَ أَوْلَيْتَ آمين.
تعليقات
إرسال تعليق