في صباح خريفي هادئ، كان الهواء يعبق برائحة أوراق الأشجار المتساقطة، والضوء يتسلّل إلى ساحة المدرسة عبر الغيوم الرمادية. وقف الطلاب في صفوف متداخلة، يتبادلون الضحكات والقصص، بينما دقّ جرس الطابور معلنًا بداية يوم دراسي جديد.
دخل سامي الصف الخامس بخطوات مترددة، يحمل حقيبته التي بدت أثقل من المعتاد. جلس في المقعد القريب من النافذة، يحدّق في الساحة بصمت، وكأنّه يبحث عن شيء لا يُرى. من حوله، كان زملاؤه يتبادلون نظرات خاطفة، بعضها عادية، وبعضها يتعمد الاستهزاء.
لم يكن سامي كباقي زملائه، فهو هادئ جدًا، لا يميل إلى الجدال أو اللعب الجماعي، ويتميز بجسد ممتلئ قليلاً يجعله هدفًا لبعض العبارات القاسية. في الأيام الماضية، تعرّض لكلمات جارحة من أحد زملائه يُدعى مروان، الذي كان يطلق عليه ألقابًا تؤذيه مثل "الدب الهادئ" أو "صامت بلا حركة"، مما جعله ينعزل أكثر.
لم يكن سامي يرد، بل كان يحتفظ بالكلمات داخله كأحجار صغيرة تتراكم في قلبه.
وفي ذلك الصباح، وبينما المعلمة تشرح درسًا في التعبير الكتابي، سمعت الطلاب ضحكة مكتومة، تبعتها همسة من مروان:
"لا تنسوا سامي... صاحب القوة الخفية، والسكون الزائد عن الحد!"
قالها بسخرية، لكنه لم يكن يعلم كم كانت الكلمة ستؤثر في سامي.
رفع سامي نظره بهدوء، ثم كتب في دفتره جملة لم يسمعها من أحد:
"أحيانًا، تكون أضعفك هي أقوى ما تملكه... فقط لا يراها الآخرون."
كانت تلك اللحظة نقطة تحول، ليس فقط في مشاعره، بل في نظرته لنفسه. بدأ يشعر أن القوة لا تُقاس بالكلمات العالية أو الردود اللاذعة، بل بالتماسك والقرار.
في الأيام التالية، أعد سامي مشروعًا بسيطًا في مادة التعبير، بعنوان "حين يصبح الصمت قوةً". كتب فيه عن صديقه المتخيّل "سُهيل"، الذي واجه التنمر بالصبر والتفوق. وحين عرض المشروع أمام المعلمة والصف، صمت الجميع، حتى مروان. الكلمات كانت بسيطة، لكنها صادقة، فأصابت قلوبهم قبل آذانهم.
بعد الدرس، اقتربت المعلمة وقالت له بهمس:
"أنت فعلاً تملك قوة خفية، سامي، ولكنها ليست خفية عن من يفهم."
سار سامي في الساحة بثقة جديدة. لم يتغيّر مروان كثيرًا، لكنه توقف عن السخرية. أما سامي، فقد تغيّر داخليًا، لا بالرد، بل بالاكتشاف. أصبح أكثر هدوءًا، أكثر تركيزًا، وأكثر رغبة في النجاح لا لأجل إثبات ذاته للآخرين، بل لأنه بدأ يحب ذاته كما هي.
وفي نهاية القصة، كتب سامي على ورقة صغيرة وعلّقها على لوحة الصف:
"القوة لا تعني أن تُهزم خصمك، بل أن تهزم الخوف في داخلك دون أن يُلاحظ أحد."
تعليقات
إرسال تعليق