القائمة الرئيسية

الصفحات

كلّ ما لم أعشه أرهقني

لم تكن مأساته في الذي مرّ به.
بل في الذي لم يمرّ قط.
في الأحلام التي خاف أن يحلمها،
وفي الطرق التي تراجع عنها قبل أن يخطو،
وفي الحبّ الذي وُلد فيه… دون أن يولد له.

كان يخشى المغامرة،
فاستراح طويلًا على أرصفة الانتظار.
كان يخاف الندم،
فوقع في ندمٍ أطول عمرًا،
وأعمق أثرًا:
ندم ما لم يعشه.

كبرَ… دون أن يعيش.
يمرّ على أيامه كما يمرّ الغريب على المدن:
يتأمّل، يتظاهر بالانتماء،
لكنّه لا يترك أثرًا… ولا يأخذ شيء معه حين يغادر.

لم يسافر، لم يُحبّ، لم يصرخ،
لم يقل "لا" في وجه ما كسره،
ولم يسمح لقلبه أن يكون حرًا للحظة.

واليوم،
يجلس على حافة العمر
ويسأل نفسه بصوتٍ خافت:
"هل كنت حكيمًا؟… أم كنت خائفًا؟"

كلّ ما لم يعشه،
عاد إليه الآن بثقلٍ مروّع،
كأن الذكريات قررت أن تنتقم،
لا بما حدث… بل بما لم يحدث أبدًا.

كلّ باب لم يطرقه،
صار جرحًا بلا صوت،
وكلّ شعورٍ كمَنه في صدره،
صار حجرًا في روحه لا يتحرّك.

الوجع الحقيقي؟
ليس في التجارب القاسية…
بل في الحياة التي مضت على أطراف أصابعها،
دون أن تترك فيه شيئًا…
ولا تأخذ منه شيئًا.

الكاتب  إدريس أبورزق

تعليقات