....أيها الوطن كم أشتاق إليك وأحن الى أمسك القريب البعيد.....
وطني العزيز علاقتي بك تجاوزت الثلاثين عاماً ونيف لقاؤنا الأوّل كان في قريةٍ شبه منسية على خارطة ِزمن ٍدافئ ، تعفرّت أقدامي بدروبها ولفحت الشمس ُكل َّالأجزاء المكشوفة من طفولتي الشيقة والمشرقة ..
حينها كنت طفلة بريئة لا تحمل في قلبها إلا حبا وسعادة لا مكان للبغض والكراهية ....
أبدا لا أنسى تلك اللحظات التي مرت كالبرق الخاطف ،أيام جميلة مليئة بالمرح واللعب بين السهول والوديان ذات المياه الصافية كنا نتأمل أنفسنا فيها وكأنها مرآة نداعب الأسماك الراقصة على أنغام الطبيعة وحفيف الأشجار الشامقة وجبال ريفها الشاهقة آه كم كانت أيام ببساطتها رائعة....
حملتني تحدّياتك البسيطة التي واجهت والدي القروي الرائع المكافح الذي جاهد من أجل تعليمنا وتوفير لقمة العيش لأولاده يأخذني الحنين.... إلى أزقة بلدتي العتيقة ، ومروج غابتها الفسيحة .. وهناك رغم الفاقة والفقر...التي كان يعاني منها الكثير إلا أننا عشنا في أحسن حالنا بفضل كفاح ومسؤولية الوالد الشجاع الذي كان يتعب من أجل أن لا ينقصنا شيء بل كان يعيلنا ويعيل الفقراء من أهل وجيران ..... كانت أبواب الحلم مشرعة ًوكان انتظار الفجر طقساً لايحيد عنه كل الفقراء ..كان انتظار ُالفجر انتظاراً لحلم ٍجديد وبهجة ٍ وافدة ،هربتْ الايام ُ كما الريح وتركت ْعلى الرأس الحالم بقايا أحلام مهمّشة ...وفي القلب حسرات ٍعلى زمن لن يعود ،أتذكر ُياقبلة الروح كيف كنت تقاسمنا كل َّغلالك وتشاركنا تفاصيل وقتك الدافق بالحب ؟أتذكر كيف كنت تحنو على بسطاتك؟ ....
...وها أنا اليوم، على شفا زهرٍ ذابل من الانتظار، أعود إليك لا جسدًا بل قلبًا، لا خطوات بل خيالات تطوف على عبق الدروب القديمة،
أعود إليك يا موطني، محملةً بأثقال الغربة، بأغنياتٍ خفت صوتها ولم تخفت معانيها، بأسماءٍ كانت لنا وطنًا ثانيًا حين كنت بعيدة.
أتجول في الأزقة المنسية، كلّ حجر فيها يعرف وجعي، وكل شجرة ما زالت تذكر اسمي،
الهواء نفسه... له نفس الرائحة، لكنه يحمل نغمةً مغايرة، كأنّه يسألني: لماذا تأخرتِ؟
أهمس له: لم أكن في منفى، بل في قلبك… أبحث عنك.
أراك في ملامح الأمهات العائدات من السقي، في ضحكة الأطفال العابثين بالمطر، في صمت البيوت العتيقة حين تُغلق أبوابها على حكاياتٍ لا تكتمل.
أراك، وأبكي بلا دمع… فالوطن لا يحتاج أن يُبكى عليه، بل يُشتاق إليه حدّ الانتماء الباكي.
تعليقات
إرسال تعليق