في تمام الساعة السابعة، تستيقظ.
تمتدّ يدها نحو السرير، فتلامس الفراغ.
النصف الآخر منه بارد، لم يُمسّ منذ زمن.
تنهض على مهلٍ، كمن يُجبر نفسه على النهوض من تحت الحطام.
تغسل وجهها، تمشّط شعرها، وتنتقي ثوبًا بسيطًا.
ثم تقف أمام المرآة... لا لتتجمّل، بل لتتذكّر.
تتذكّر أن المرأة التي تنظر إليها، كانت يومًا تضحك حتى تدمع، وتبكي حتى تبتسم، وتحبّ حتى تُؤذى.
تفتح درج العطور.
زجاجات مصطفّة كذكريات لا تذبل:
واحدة بنفحات ياسمين، وأخرى بخشب الصندل، وثالثة لا تعرف لماذا اشترتها، ولكنها تذكّرها بنفسها قبل أن تُخذَل.
تأخذ رشّة صغيرة، وتضعها خلف أذنيها، ثم على عنقها.
لا أحد في البيت يشمّ العطر، لكنها تفعل ذلك كل صباح، كمن يتعطّر ليقاوم الذبول، لا ليُعجَب به أحد.
هذا البيت ليس صامتًا فقط... بل بارد.
تحاول تدفئته بالكلمات، بالأغاني القديمة، برائحة الخبز،
ولكن شيئًا لا يغلب برودة الغياب.
تحيا فيه لا كأنها تسكنه، بل كأنها تحرس أطلالًا من أيام دافئة.
وأشدّ ما يوجعها، أن أطفالها لم يعودوا يسألون أين ذهب والدهم...
كأنهم تعلّموا الصمت منها، وتعلّمت هي أن تبتلع الحكاية كل يوم مع القهوة.
في ظهيرة رمادية، وبينما ترتّب غرفتها،
دخل ابنها الأصغر وسألها بعفوية:
"أمّاه، لِمَ تتعطّرين كل صباح، وأنتِ لا تخرجين؟"
أجابت بابتسامةٍ مطفأة:
"لأجل نفسي، يا بنيّ... فقط لأجل نفسي."
لكنها لم تقل له:
إنها تتعطّر كي لا تنسى أنها امرأة،
أنها كانت تُشتهى يومًا، وتُنتظَر، وتُشتاق،
وأن قلبها ما زال يشتعل، رغم الرماد.
في المساء، وقبل أن تُطفئ النور،
ترشّ القليل من العطر على الوسادة،
وتستلقي بجانب أثر الرائحة،
كما تستلقي الذكرى بجانب من لم ينسَ بعد كيف يُحَبّ.
تعليقات
إرسال تعليق