كلُّ صباح، تجلس أمام المرآة،
تفتح علبة الكحل، وتمسك القلم بثباتٍ يشبه الثأر.
كأنها تقول لعينيها:
"ستبدوان جميلتين… حتى ولو لم تنعما بنومٍ واحدٍ هانئ."
تمرر الخطّ الحادّ برفق،
ترسمه كأنها تخيط به جرحًا مفتوحًا،
كأنها تُجمّل التعب،
وتخفي أسئلةً كثيرة في رمشةِ عين.
هي لا تضع الكحل لتبدو فاتنة،
بل لتُخفي خلفه ما لا يُحكى.
كلُّ سوادٍ يحيط بعينيها،
هو بقايا ليالٍ ظلّت فيها مستيقظة على أطراف قلبها،
تحرس انكسارًا لا يراه أحد.
ذات صباح،
حين كانت تضع الكحل على عجل،
ارتعشت يدُها فجأة،
فانزلق الخطُّ، وامتدّ في غير مكانه،
نظرت إلى وجهها في المرآة...
وتوقّفت.
لم تبكِ،
لكن عينيها امتلأتا بذاك الوميض الغامض،
الذي لا يأتي إلا عند من تعبوا من البكاء،
لكنهم ما زالوا يستيقظون كل يوم كأنهم لم يُكسروا بعد.
قالت لنفسها همسًا:
"منذ متى أصبحتُ أتقن الزينة أكثر من الفرح؟"
مسحت الكحل،
ثم أعادت رسمه بهدوء،
كأنها تضع قناعًا جديدًا على وجهٍ لا يريد لأحد أن يعرف ما فيه.
في الجامعة،
تضحك، وتشارك صديقاتها الحديث،
وحين تسألها إحداهنّ:
"ما سرّ نظرة عينيكِ؟ تبدوان كأنهما تخبئان شيئًا!"
تردّ بابتسامةٍ واثقة:
"لا شيء… سوى أنني أنام مع الليل، وأصحو مع قلقي."
وفي المساء،
تُطفئ النور،
وتضع علبة الكحل على الرفّ بجانب الكتب والذكريات.
تستلقي وعيناها لا تزالان متعبتين،
لكنّهما جميلتان… بقدر ما فيهما من جروح.
تعليقات
إرسال تعليق