القائمة الرئيسية

الصفحات

نزار السليماني… مدرسة سعودية بتمشي على الأرض، نجم تقيل ما بينوزن، وأيقونة بذاكرة الفن الخليجي

الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر يكتب

ببلد عم يتنفس فن، وبمنطقة غنية بثقافاتها وتقاليدها، كان لازم يخلق شخص مثل نزار السليماني، مش ليمثل أو يخرج بس، بل ليعيد تعريف معنى الفنان الحقيقي، نزار مش بس ابن المسرح الفني ، ولا مجرد رجل قد الكاميرا، نزار هو المسرح الفني(الساحة الفنية العربية ) ذاته، هو الكاميرا يلي بتخجل إذا غلطت قدامه، هو الصوت الهادي اللي صداها بيكسر الجدران، هو العين اللي بتشوف أكتر من الموجود، وهو الذوق اللي بيرتّب الفوضى، نزار مش ممثل، نزار ظاهرة بتصير مرة بالعمر، ظاهرة بتخلّي الحنين يوقظنا، بتخلّي الماضي يصير حاضر، وبتخلّي الفن يبكي فرحًا بوجوده.

هالرجل، بخبرته اللي فاقت التلاتين سنة، ما اكتفى إنه يعيش الفن، بل صار جزء من تركيبته، صار حجر أساس بكل مشهد حقيقي، صار العلامة المسجّلة للإتقان، صار النموذج اللي المفروض المعاهد تدرّس عنه، مو لأنه استثنائي بس، بل لأنه كمان ثابت، نزار مش نجم موسمي، ولا طالع غفلة، نزار ابن تعب، ابن طريق طويلة، ابن شهقة طلعت من قلوب الناس العاشقة للتمثيل، وارتاحت لما شافت قدامها ممثل بيشبه الحلم، وبيمثل الوجدان، وبيحمل ملامحنا على الشاشة بدون ما نحتاج نصرخ لنفهم، نزار بيخلينا نرتاح، بيخلينا نحس إنو لسه في ناس عم تمثّل مش لتتصدر، بل لتعبّر، لتهز، لتوصل.

نزار مدرسة، مدرسة سعودية الطابع، عربية النَفَس، إنسانية اللغة، كل حركة منه مدروسة، كل تفصيل بحضوره محسوب، بيهتم بالصمت أكتر من الكلام، بيعرف قيمة الشغلة قبل ما يحكي عنها، بيعرف يحكي بالعيون أكتر من الشفاه، وبيعرف يتنفس المشهد قبل ما يعيشه، نزار مش بس بيعطي للمخرج راحة، هو بيخلّي المخرج يكتشف نفسه، وكمخرج هو النور اللي بيسحب باقي الطاقم من عتمة العشوائية، بيضوي المشهد من جُوّاه، من روحه، من تاريخه.
وفي زمن صارت فيه الإطلالة أهم من المضمون، نزار اختار يضِلّ مخلص لفنه، حتى لو سكت العالم، وحتى لو تغيرت المعايير، حتى لو ضاع الدرب، نزار واقف مثل البوصلة، بيرشد، بيصلّح، بيسند، لأنو ما نط على موجة، نزار صنع الموجة، وضل ماسك المجداف، وعم يجدف بعكس التيار، مش عناد، بل إيمان، إيمان إنو الفن الحقيقي ما بيموت، إنو المشاهد بعده بيعرف يميز، إنو الناس بتشتاق للصدق، وإنو بعد في ناس ما بتحب الكذب يلي صار سائد بشاشات كتيرة.

وإذا حكينا عن اللمعة، نزار لمعتو مش نجومية فاضية، لمعتو فيها تعب، فيها وقت، فيها حُب، فيها شغف، فيها خيبات كتير ما كسرته، بل قوّته، فيها نجاحات ما غرّته، بل خلّته يوصل أعمق، لمعتو فيها احترام للنفس وللناس وللفن، وهاد الشي نادر اليوم، لأنو النجاح صار سطحي، ومتل فقاعات بتفقع على أول ضوء، بس نزار ضوّه ما بينطفي، حتى لو ما حدا ضوا له، بيضوي لحاله، بيضوي من جواته، لأنو نقي، ولأنو فنه بيشبهه، ما بيكذب، ما بيتصنّع، وما بيبيع الموهبة بترف الشهرة.

بزمن بتصرخ فيه المنصات، وبيصير كل شي قابل للقياس بعدد اللايكات، نزار واقف بعيد، هادئ، ساكت، بس كل طلّة منو بتعمل ضجة، لأنو بيشتغل من القلب، وبيقدم شي بيفوت عالقلب، لا عم يتحدى حدا، ولا عم يقلّد حدا، هو نزار، ببصمته، بوقفته، بصوته، بعينيه، بكل طيف من حضوره، والمثير بالموضوع إنو مع كل سنة بتمر، نزار بيصير أقوى، أعمق، أنضج، متل النبيذ العتيق، كل ما تقادم، زاد قيمته، وكل ما اشتغل، زادت قيمته.

هالنوع من الفنّانين صار نادر، متل الأحجار الكريمة اللي بتنقرض من كتر الاستهلاك، بس نزار مش بس نادر، هو مقاوم للزمن، مقاوم للتسليع، واقف حارس على بوابة الزمن الجميل، وما بيفتحها إلا لما يحس إنو اللحظة بتستاهل، نزار ما بيفتح قلبه إلا للّحظات الحقيقية، وما بيقدم مشهده إلا بعد ما يحضّره متل الطباخ الشاطر، بنَفَس طويل، بتفاصيل حنونة، بتقنية عالية، نزار بيفهم الصورة متل ما بيفهم القصيدة، بيعرف يخلق مشاعر حتى من الصمت، وبيعرف يرسم خطوط الكادر متل فنان تشكيلي بيشتغل بإبرة، مش بفرشاية.

وإذا حبّينا نرسم صورة لأوسكار حقيقي، نزار لازم يكون ماشي عالسجادة الحمراء، مش لأنه تريند، بل لأنه قيمة، مش لأنه الأكاديمية قررت تكرمه، بل لأنو وجوده بحد ذاتو تكريم، لازم تنحني قدامه الجوائز، مش العكس، ولازم كل مهرجان حقيقي يحط صورة نزار على بوستره الرئيسي، لأنو هو عنوان الاستمرارية، نزار هو الدرس اللي لازم ينكتب بكل كتب السينما، تحت عنوان "كيف تكون أصيل ببحر التزيف؟"، "كيف تصنع هويتك بوسط ضايع؟"، "كيف تضل نجم، بدون ما تبيع ضميرك؟".

وإذا كان في أمنية بيحقّ لإلنا نحلم فيها، فهي إنو نزار يبقى، يضل، يكمّل، ما يغيب، لأنو وجوده أمل، لأنو فنه ملاذ، لأنو حضوره أمان، ولأنو ببساطة… نزار هو ما تبقى من الفن الحقيقي بهالعالم المتقلب.

تعليقات