كنتُ ألعب يومًا بدميتي الصغيرة،
أسرّح لها شعرها، وأخيط لها ثوبًا من قطعة ستارٍ قديم...
كنتُ أظنّ أن "الدم" في الحكايات يعني جرحًا في الركبة أو شقًّا في الشفاه.
لم أكن أعلم أن هناك دمًا، حين يخرج
يُحوّل الأنثى إلى قضية، والطفلة إلى "فضيحة مؤجلة".
كنتُ في السادسة عشرة،
حين وجدتُ بقعةً غريبة على ملابسي الداخلية.
خفتُ، ثم بكيت، ثم خبأتُ كل شيء كأنني ارتكبت جريمة.
لكن الدم كان أقوى من إخفائي، ففضحني.
ذهبتُ مع أمي إلى العيادة.
قال الطبيب:
"نزيف غير مبرر . قد يكون خللًا في الأغشية أو اضطرابًا هرمونيًّا نادرًا."
التفتُّ إلى أمي.
انتظرتُ يدها تُمسك بيدي،
كلمة تطمئنني،
نظرة تحضن خوفي.
لكنّها سألتني بوجهٍ جامد:
"هل لمسكِ أحد؟"
أجبتها وأنا أختنق:
"لا، أقسم لكِ، لا!"
لكن القسم حين يأتي من فتاة… يُفسَّر على أنه محاولة تمويه.
عاد أبي من السفر،
أُخِذتُ إليه كأنني ملفٌّ مغلق.
جلس أمامي طويلاً، دون أن ينطق.
ثم قال:
"هل سلّمتِ نفسكِ لولد؟"
قالها كمن يُلقي سكينًا، لا سؤالًا.
كمن يرى في ابنته مُلكًا ضاع، لا قلبًا مكسورًا.
صرخت أمي يومها:
"قل لي يا رجل، ماذا سنفعل لو افتضح الأمر؟!"
كنتُ أجلس بينهما،
كأنني شيء يجب التخلص منه، لا ابنة تنتظر تفسيرًا.
بعد أيام، أخذوني إلى طبيبة نساء.
فحصٌ بارد، أسئلة جارحة،
وصمتٌ طويل كجدار زنزانة.
ثم قالت الطبيبة بهدوء:
"الفتاة عذراء تمامًا… لكن لديها مرضًا نادرًا يسبّب نزيفًا داخليًّا غير مرتبط بأي تماس جنسي. غشاءها من النوع المرن… لا يتمزّق بسهولة، وقد لا يُلاحظ حتى في الزواج."
نظرتُ إلى الطبيبة برجاءٍ طفولي، كأنني أقول:
"هل يمكنكِ أن تشرحي هذا لأمي؟
هل يمكن أن تكتبي على جبيني: 'لم يُلمسني أحد'؟"
لكن الضرر كان قد وقع.
بعد أشهر، قالت لي ابنة خالتي:
"ماما لا تريدني أن أنام بجانبكِ بعد الآن."
ثم ابتعدت.
وفي كل مناسبة عائلية،
كانت الجارات ينظرن إليّ كنظرة من شاهد ظلّ جريمة.
كأنني "عرفتُ شيئًا" لا ينبغي لطفلةٍ بريئة أن تعرفه.
كأنّني "أخطأت" في صمت.
مرت السنوات.
كبرتُ وأنا أرتّق نفسي كما ترتّق النساءُ جرحًا لا يظهر في المرايا.
تقدّم لي خاطب ذات يوم،
وعندما علم بما جرى في مراهقتي،
قال:
"أخشى ألا يصدقني أهلي، حتى لو وثقتُ بكِ."
قلت له:
"وإذا نزفتُ؟"
قال:
"سيقولون خدعة."
قلت:
"وإذا لم أنزف؟"
قال:
"سيقولون كنتُ أعلم."
ضحكتُ يومها،
ضحكة كأنها صفعة لهذا المجتمع.
وقلت له:
"أنا لا أريد رجلًا يخاف منّي أكثر مما يحبّني.
ولا أهلاً يقيسون شرفي ببقعة دم."
لم يلمسني أحد،
لكنهم طعنوني بالكلام، بالشك، بالخذلان.
نزفتُ من حيث لا تداويه الأدوية،
نزفتُ في قلبي… حين غابت عني أمي، واختفى صوت أبي، وسقط وجهي في مرآة الناس.
أنا فتاة لم تذنب،
لكنها حُوكِمَت،
وعوقِبَت،
وظلّت طوال حياتها تحاول إثبات براءتها من تهمةٍ لم ترتكبها.
وفي النهاية..
لم يسألني أحد:
"كيف شعرتِ حين شكّ بكِ كل من تحبين؟"
لكنني سأُجيب، هنا، الآن:
"شعرتُ أنني نُزفتُ… لا من رحمي، بل من روحي."
تعليقات
إرسال تعليق