كانت تحب قهوتها مُرّة.
تماماً كما تُحب حقيقتها: بلا سكرٍ مزيف، بلا رتوش اجتماعية، بلا تصنع للحب.
لكنها في السنوات الأخيرة بدأت تضيف السكر.
لم تعد تقوى على مزيد من المرارة.
كانت تحاول أن توازن طعم الحياة في فمها… ولو بكذبة صغيرة.
في ذلك الصباح، ككل صباح، أعدّت فنجانها، سَكبت الماء بحذر، ووضعت القليل من الهيل...
جلست على طرف الأريكة، نفس الزاوية التي لم تتغير منذ زواجها، وكأنها حُفرت في جسد الصالون كما حُفرت العادة في قلبها.
أمامها مقعده المعتاد،
فارغٌ كما اعتاد أن يكون.
هو في الغرفة المجاورة، يتحرك، يتحدث، يفتح هاتفه، يضحك مع العالم.
ويمرّ بها كما تمرّ الظلال على الجدران: بلا حرارة، بلا حضور.
في أول زواجهما، كان يسألها عن قهوتها.
كان يشاركها رشفة، ويسألها:
"مرّة مثل عيونك؟ أم مثل الأيام؟"
تضحك.
كان يراها.
الآن، تمرّ أمامه فلا يشعر بها إلا عندما يُخطئ في مكان الجريدة أو يُغيّر ترتيب الوسائد.
اقرا ايضا "مفهوم العطاء" بين الشمول والإنسانية
بالأمس قصّت شعرها.
أخذت نفسًا عميقًا وهي تقف أمامه.
نظر إليها، مرّ بعينيه عليها كمن يُقلّب قنوات التلفاز بلا اهتمام، ثم قال:
"هل أعددتَ الفواتير؟"
فقط.
تحاملت على نفسها حتى لا تسأله: "هل ترى أنني تغيّرت؟ أم أنني منذ زمن أصبحت شفافة؟"
وضعت القهوة أمامها.
بخارها تلاشى سريعًا… كأنها لم تكن ساخنة أصلاً.
بردت.
كما يبرد كل شيء فيها.
تذكّرت بيت والدها…
كانت تشرب القهوة مع أمها على شرفة تطل على الدنيا…
كان الضحك يُسكب مع الفنجان، والحب يملأ الرائحة.
أما الآن، فهي تشربها مع الوحدة… وتكاد لا تتذوق الفرق.
كتبت له رسالة مرة، طويلة، عميقة، مليئة بتفاصيل لا تُقال.
طوَتها ووَضعتها تحت وسادته.
قرأها... ثم أعادها إلى مكانها دون أن ينبس بكلمة.
كأن احتياجها كان ثقيلًا عليه… أو لا يُؤخذ على محمل الجد.
في تلك الليلة، بردت القهوة في يدها…
ولم تسخن بعدها أبدًا.
تعليقات
إرسال تعليق