بقلم: فُؤاد زاديكِي
الحَياةُ مَليئَةٌ بِالمَصاعِبِ، مُثْقَلَةٌ بِالأشْواكِ، و مَفْروشةٌ أحيانًا بِالتَّحدِّياتِ، الَّتي تَسْتَنْفِدُ مِنَّا قُوانا، كَمَا تَسْتَدْعي الكَثيرَ مِنَ الصَّبرِ وَ الْحِكْمَةِ وَ الْوَعْيِ لِكَيْ نُوَاصِلَ المَسيرَ. فَلَيسَتِ الدُّنيا مَكانًا لِمَنْ يَرْغَبُ فِي الرّاحَةِ الدّائِمَةِ، وَ إِنَّما هِيَ مِضمارُ صِراعٍ لِلْقَوِيِّ الصّابِرِ، وَ مَيْدانُ اخْتِبارٍ لِأَصْحابِ العَزيمَةِ وَ الإرادَةِ.
وَ إِذا كانَ النَّجاحُ يُنْسَجُ مِنْ خُيوطِ التَّعَبِ وَ السَّهَرِ وَ الْمُجاهَدَةِ، فَإِنَّ تَحَمُّلَ المَشاقِّ وَ الصِّعابِ يُعْتَبَرُ رُكْنًا أَساسيًّا فِي صِناعَةِ الإِنْسانِ النّاجِحِ وَ الْمُتَّزِنِ. لِذلِكَ كانَ مِنَ الضَّرورِيِّ أَنْ يَتَّصِفَ الإِنْسانُ بِالحِلْمِ عِندَ الشَّدائِدِ، وَ بِالحِكْمَةِ عِندَ المُشْكِلاتِ، وَ بِالتَّأنِّي فِي مَواقِفِ الضَّغْطِ وَ الإِحْباطِ، حَتّى يَسْتَطيعَ أَنْ يَعْبُرَ نَحوَ الأَمَلِ وَ النَّجاحِ.
وَ ما مِنْ شَخْصٍ عَظِيمٍ فِي التّاريخِ إِلَّا و امْتَحَنَتْهُ الحَياةُ وَ اخْتَبَرَتْ قُدْرَتَهُ عَلى التَّحَمُّلِ. وَ ها هُوَ "نِلسون مانديلا" يَقْضي سِنِينَ طَوِيلَةً فِي السِّجْنِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَسْلِمْ، بَلْ خَرَجَ أَكْثَرَ عَظَمَةً وَ قُدْرَةً عَلى تَغييرِ وَطَنِه. وَ كَذلِكَ "طَه حُسَيْن"، الَّذِي تَغَلَّبَ عَلى الإِعاقَةِ وَ الظُّروفِ القاسِيَةِ، حَتّى أَصْبَحَ عَلَمًا فِي الأَدَبِ وَ الفِكْرِ.
فَأَمَّا مَنْ يَعْجَزُ عَن تَحَمُّلِ المَصاعِبِ، وَ يَسْقُطُ أَمامَ كُلِّ عَقَبَةٍ، فَإِنَّهُ يَسِيرُ نَحْوَ هَاوِيَةِ الضَّياعِ وَ يَخْسَرُ ذَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْسَرَ الدُّنْيا. لَكِنَّ السُّؤالَ الَّذِي يُطْرَحُ هُنا: هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَ يَتَراجَعَ وَ يُقِرَّ بِالهَزيمَةِ؟
الإِجابَةُ القاطِعَةُ: كَلَّا. فَالإِنْسانُ يُولَدُ ضَعِيفًا، لَكِنَّهُ يَتَعَلَّمُ القُوَّةَ، وَ يَخْلُقُ فِي نَفْسِهِ الطّاقَةَ عَلَى المُواجَهَةِ. وَ الإِخْفاقُ لا يَعْنِي النِّهايَةَ، بَلْ هُوَ دَرْسٌ، وَ فُرْصَةٌ لِلتَّصْحِيحِ وَ الإِعادَةِ بِوَعْيٍ أَكْبَرَ وَ خِبْرَةٍ أَغْنى.
تعليقات
إرسال تعليق