القائمة الرئيسية

الصفحات

المرأة التي لم يَسمع أحدٌ صُراخَها

بعض النساء لا يحتجن إلى صوتٍ ليصرخن… إنهنّ ينزفن بهدوءٍ لا يراه أحد.

كان اسمها ليلى

امرأةٌ تشبه الكثيرات:
وجه ناعم بدأ الزمن ينهش أطرافه،
يدُها مشققة من غسيل الصحون،
وصوتها. صوتها نسيته منذ أن تخلّت عن آخر أغنية كانت تحبها.

في الحي، يقولون عنها "هادئة".
وفي البيت، يقول زوجها إنها "لا تشتكي".
وفي قلبها، كانت تصرخ.
تصْرخ كل يوم، كل لحظة، كل مساء تُطفئ فيه النور ولا تنام.

ليلى لم تكن تطلب الكثير.
كانت فقط تتمنى أن يسألها أحد:
"هل أنتِ بخير؟"
لكن أحدًا لم يفعل.

كانت تصرخ حين تتعثر وحدها ولا يراها أحد،
تصرخ حين يُلقى على عاتقها كل شيء وكأنها بلا مشاعر،
تصرخ حين يمرّ بها يومٌ كامل دون أن يذكر أحدٌ اسمها.
كان صراخها صامتًا،
يمر عبر أوردتها كدم بارد،
ويخرج على هيئة شحوب في وجهها،
وانطفاء في عينيها،
وأطباقٍ موضوعة بإتقان، لكن بلا نَفَس.

ليلى كانت يومًا تحب الرسم.
كانت ترسم وجوهًا باسمة، وشرفات مفتوحة على الضوء.
ثم توقفت.
لأن كل من حولها أغلقوا نوافذهم، حتى عن النظر إليها.

وذات ليلة،
بينما كانت تطوي الغسيل وحدها،
وقع قميص ابنها من يديها،
وجلست على الأرض تبكي.
لم يأتِ أحد.
لم يسمع أحد.

في الصباح التالي،
استيقظت مبكرًا كعادتها.
أعدّت الفطور، وضعت أكواب الشاي،
ثم دخلت غرفتها، وعلّقت على الخزانة ورقة صغيرة كُتب فيها:
"أنا تعبت. لا أريد شيئًا. فقط أردت أن يسمعني أحد."

غابت ليلى.

بحثوا عنها…
فتشوا الأماكن، وسألوا الجيران،
لكنها لم تترك خلفها إلا رائحة عطرٍ خفيف، ودفترًا فيه رسومات لم تكتمل.

قال زوجها وهو يمرر أصابعه على الورقة:
– "غريبة. لم تكن تشتكي أبدًا."
وردّت جارتها:
– "كانت دومًا تبتسم."

لكن أحدًا لم يسأل:
كيف للابتسامة أن تكون صرخةً خرساء؟

الكاتب : إدريس أبورزق

تعليقات