في كلّ خطوةٍ له، كنتُ هناك .أرتّب قلبه من الخلف، بينما يَبحث هو عن وجهٍ أمامه.
كنت أضبط منبه هاتفي كل صباح،
خمس دقائق قبله. لأصل إلى المصعد قبله.
أنظر إلى مرآة الباب المعدني،
فأراه يقترب.
يعدل رابطة عنقه، يبتسم لنفسه،
يمشي بقلب خفيف . وأنا أقف هناك، بخطوات مثقلة بالانتظار.
كنت أعمل معه في نفس القسم.
نفس الاجتماعات، نفس الورق، نفس الممر الضيق إلى آلة القهوة.
لكنه لم يرَ يومًا أنني أختار مقعدي حسب اتجاه نظراته،
ولا أن عطري يتغيّر كل ثلاثاء حين ألبس القميص الأزرق الذي مدحه مرة دون أن ينتبه.
كنت خلفه دائمًا،
أتابع همومه من بعيد،
أرسل له عبر الزملاء نصائح دون أن أُذيّلها باسمي،
أحمل عنه أخطاء المطبعة، وأرتّب عروضه التقديمية وكأنني أرتّب قلبي.
ولم يرَ شيئًا.
اقرا ايضا "البرلمان العربي" يرقض قرار كيان الاحتلال المصادقة على بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية
اقرا ايضا بمناسبةِ عيدِ الإعلاميين ..
أو ربما. لم يُرِد أن يرى.
كنتُ أراقبه حين يضحك،
وأغار من فنجان قهوته لأنه يلامس شفتيه أكثر مما تفعل كلماتي.
كنت أقرأ تعبه من نبرة صوته،
وأكتب له على صفحات دفتري المخبأ:
"لا أحد يراك كما أراك. كنك لا تراني."
ثم جاءت هي.
بضحكتها الواسعة، وحديثها الخفيف، وعطرها الواضح.
رأيته يلتفت.
رأيته يبتسم كما لم يبتسم لي،
ثم في ظهيرةٍ عادية، جلس أمامي، وقال بصوت منشرح:
"خُطبتُ اليوم."
ابتسمتُ.
لكنني شعرت بشيء داخلي ينكسر.
بصوت لا يُسمع. لكنه يوقظ الصمت من نومه.
أمسكت بقلمي، كتبت آخر جملة في دفتري:
"أحيانًا، نحبّ بصمت لدرجة أننا نُمحى."
ثم أغلقتُ الدفتر،
وفتحت درجًا في مكتبي،
وضعت فيه العطر الأزرق، والقميص الذي لم أعد أحتاجه،
ثم أطفأت نور المكتب.
ومشيت.
لا خلفه هذه المرة،
ولا خلف قلبي.
بل خلف نفسي التي نسيتها طويلًا في ظله.
تعليقات
إرسال تعليق