القائمة الرئيسية

الصفحات

رؤيتنا الشاملة للحضارة الغربية وانعكاسها على طريقة تفكيرنا؟

بقلم د. بوخالفة كريم -الجرائر

يشير مالك بن نبي في كتابه "القضايا الكبرى"، إلى الترتيب الميتودولوجي الذي غالبا مانغفله أثناء الحديث عن الجزئيات التي أينعت بَذْرَة الحضارة الغربية، فنقفز بذهول إلى منتجاتها ونتائجها قبل لَمْحِ شروطها وأسبابها، فنُعَرِّفُها بما ٱلت إليه متناسين ماانطلقت منه، فتنعكس رؤيتنا الإختزالية هذه باعتبارها نموذج تجسيد يوتوبي إنتزع من القرون الوسطى ظلماتها ليبشر بعالم غير منتظَر في قفزة نوعية غير منطقية غير واضحة الخُطى.
فنُلَخِّص سيرورتها بالقول أنّ اختراع (ٱلة الطباعة والٱلة البخارية) وأنّ عبقرية بعض الأفراد أمثال غاليلي ودانتي كانت كافية لصنع نهضة مِن لاشي، وتدوين عصر جديد لا يتكرر، فنحكم بطريقة تفكيرنا باستحالة مجاراتهم بسبب رؤيتنا للصورة الكلية بانبهار مع إغفال تفاصيلها وروابطها.

حسب رأيي، عندما نتمسك بالرؤية الكلية ونهمل الأحداث التاريخية التي تشكلت في رحابها الجدليات والصراعات، نخلص إلى إنطباعين أحلاهما مر، أولها الترسيخ الضمني لفكرة «التخلف» التي لا تخالف مقامنا الجغرافي وكأن لابد للحظ السيء أن يمس النصف الجنوبي للكرة الأرضية، وثانيها إحتقار دائم لكل ماهو غربي وكأن فرصة التجديد الوحيدة الممكنة في العالم قد سرقوها منا، وهذين النتيجتين لازالت إلى الٱن تحكم ردات فعلنا وتُجَدِّد أحقادنا عند كل مطب، وسأقوم بتوضيحهما.

_ أما «التخلف»، فقد جاء هذا المصطلح عارضا لا جوهرا، ثانويا لا أوليا، مُعبِّرا عما لَم يندرج في تعريف مصطلح «النمو»، بعد كمال تعيين أدواته وفقا لِما يقتضيه المظهر النوعي للتصنيع الغربي الذي خلص إلى عالم الترقيم الاقتصادي، وقد قال فيه مالك بن نبي : (في أوروبا الغربية تتبدى هذه التجربة في شكلها النقي أو صورتها المتخلصة من كل الأعراض المفاهيمية وارتباطها فقط بالوقائع الاقتصادية بالٱلة البخارية، فكونت نتائجها الاقتصادية والاجتماعية الواقع القابل للترقيم يشار إليه بمصطلح «النمو» ). فنشأ هذا المصطلح "البديهي" في إطار أخلاقي وجغرافي ملازم للإرادة التي تخدم مكنونات حقل الدراسة الغربي، ومُعطى مُضْمَر يحمل قدرته في ذاتية مجتمع القرون الوسطى، فالشروط المهيئة هي مَن صنعت الحضارة وليس أفراد منعزلين عن سياقهم التاريخي كما نتوهم، والطباعة حينئذ تغدو مِن ٱثار وصول الحضارة لغايتها لا صافرة بدايتها.

_ في حين، يصعب الحديث عن النتيجة الثانية، لِما تتضمنه مِن رواسب استعمارية تطبيقية شددّت في عرض الثنائيات المتناقضة وزادت في فجوتها، لِما عرفه المستعمِر في إستسهال ما يخدمه وإستنكار مايعيقه دون توضيح مبدأ المسموح/الممنوع بل بالمضي في أسلوبه المعهود المألوف، أما نظريا فإن تحوير/توجيه المفاهيم إلى مسار محدد مسبقا جعلنا نعيش ازدواجية، طرفها الأول اتباع ثقافة ارتكزت على نكران ثقافتنا، وطرفها الٱخر مجابهتها ببديل مفاهيمي يصعب تقييم فعاليته لغياب الفعل الإجرائي في واقعنا.

تعليقات