كتبت: سارة محمد
وصف رجل الأعمال الدكتور أحمد منصور، نائب رئيس حزب المؤتمر، نتائج التحقيق الأولي التي أعلنها جيش الاحتلال الإسرائيلي بشأن استهداف الطواقم الطبية الفلسطينية في رفح، بأنها "مسرحية قانونية هزلية" تهدف بالأساس إلى حماية المتورطين في جرائم حرب من أي ملاحقة قانونية دولية.
وأكد منصور، في تحليل قانوني معمق، أن ما أعلنته إسرائيل يأتي ضمن نهج ممنهج يهدف إلى الالتفاف على قواعد القانون الدولي الإنساني وتحويل مبدأ التكامل القضائي إلى وسيلة للتهرب من المساءلة، بدلاً من أن يكون أداة لتحقيق العدالة. وأضاف: "جيش الاحتلال يحاول تقييد يد المحكمة الجنائية الدولية التي تحقق في جرائم الحرب بغزة، عبر تقديم تحقيقات صورية تفتقر للحد الأدنى من الجدية والاستقلالية".
واستنكر منصور الاكتفاء بإجراء تأديبي تمثل في عزل ضابط من منصبه دون توجيه تهم جنائية، معتبراً أن هذا الإجراء يمثل استخفافاً بجريمة بحجم إعدام طواقم طبية ترتدي شارات دولية مميزة. وقال: "نحن أمام دليل قاطع على أن الهدف الحقيقي ليس تحقيق العدالة، بل حماية المتورطين من الملاحقة الجنائية".
وأشار نائب رئيس حزب المؤتمر إلى تناقضات واضحة في بيان جيش الاحتلال، متسائلاً: "كيف يدّعون محدودية الرؤية في الوقت الذي يعترفون فيه بقرار متعمد لتدمير سيارات الإسعاف الفلسطينية؟ وكيف يمكن تبرير محاولة تغطية الجثث، بينما الأدلة المرئية وشهادات الشهود تثبت إطلاق النار المباشر على الطواقم الطبية؟".
وشدد منصور على أن الاعتراف بتدمير سيارات الإسعاف يمثل بحد ذاته جريمة أخرى، تتمثل في طمس الأدلة ومحو معالم مسرح الجريمة. وأضاف أن ما ورد في البيان الإسرائيلي من اعترافات بأن الجنود كذبوا خلال التحقيقات لا يعد عاملًا مخففًا، بل دليلاً على وعيهم المسبق بخطورة أفعالهم، ما يعزز المسؤولية الجنائية الفردية.
وأكد أن الكذب في التحقيقات يوضح إدراك الجنود بعدم مشروعية أفعالهم، وهو ما يرسّخ أركان الجريمة بدلًا من تبريرها، ويكشف عن وجود نية جرمية مبيتة لا يمكن تجاهلها قانونياً.
وطالب منصور بضرورة النظر إلى حادثة رفح في سياق أوسع من الهجمات الممنهجة على المرافق الطبية والطواقم الصحية في غزة، موضحاً أن تدمير سيارات الإسعاف يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف، وأن هذه الحادثة ليست معزولة، إذ تم توثيق استهداف أكثر من 100 سيارة إسعاف منذ بدء العدوان على غزة.
وأوضح أن استهداف المنشآت والطواقم الطبية بهذه الطريقة الممنهجة يرتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم، ويجب أن تطال الملاحقة القانونية كافة المسؤولين، بما في ذلك من أصدروا الأوامر أو تغاضوا عن تنفيذها.
كما لفت إلى أن توقيت إعلان نتائج التحقيق الإسرائيلي ليس عفويًا، بل يأتي متزامنًا مع تحركات المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين، وهو ما يكشف عن محاولات الاحتلال لاستغلال مبدأ التكامل القضائي للهروب من العقاب.
وبيّن منصور أن هذا المبدأ لا يُفعّل إلا إذا كانت التحقيقات الوطنية جادة ومستقلة وذات مصداقية، وهو ما تفتقر إليه التحقيقات الإسرائيلية بشكل كامل. مشيرًا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية استقر فقهها على أن التحقيقات الصورية التي تهدف لحماية الجناة لا تحول دون ممارسة المحكمة لاختصاصها.
وفي ختام تحليله، دعا الدكتور منصور إلى فتح تحقيق دولي مستقل وشامل في الجرائم المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين، وعلى رأسها استهداف الطواقم الطبية والصحفيين والمنشآت المحمية، مؤكدًا أن نتائج التحقيق الإسرائيلي تكشف بوضوح الحاجة إلى تدخل دولي عاجل.
وأكد أن الوقت قد حان لاتخاذ المجتمع الدولي خطوات جادة لإنهاء الإفلات من العقاب الذي تتمتع به إسرائيل منذ عقود، من خلال دعم المحكمة الجنائية الدولية في استكمال تحقيقاتها دون تأخير أو تدخلات سياسية.
تجدر الإشارة إلى أن جيش الاحتلال اكتفى بعزل نائب قائد سرية في لواء "غولاني"، مشيرًا إلى أن الجنود أخطأوا في التصرف وكذبوا خلال التحقيقات، لكنه نفى ارتكاب جريمة الإعدام الميداني للطواقم الطبية، متذرعًا بمبررات واهية مثل محدودية الرؤية وعدم التعرّف على سيارات الإسعاف.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه الدعوات الدولية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها، في ظل تقارير موثقة من خبراء الأمم المتحدة تؤكد وجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب قوات الاحتلال جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
تعليقات
إرسال تعليق