القائمة الرئيسية

الصفحات

الأحلامُ البريئةُ

بقلم: فُؤاد زاديكِي

تَبقَى الأَحلامُ سَبيلاً يُشعِلُ نَارَ الأملِ فِي نُفُوسِ البَشَرِ، وَ تُحرِّكُ دَوَافِعَ الطُّمُوحِ فِيهم لِبِناءِ حَيَاةٍ أَفضَلَ، أَو لِتَحقِيقِ غَايَةٍ نَبِيلَةٍ تَمنَّوهَا وَ سَعَوا فِي دَربِهَا. إِنَّ الأَحلامَ، وَ إِن تَبَايَنَت فِي أَشكَالِهَا وَ أَهدَافِهَا، تَبقَى فِي جَوهَرِهَا نَقِيَّةَ المَعنَى، صَادِقَةَ التَّوجُّهِ، بَرِيئَةَ الرُّوحِ.
يَحلُمُ الطِّفلُ أَن يُصبِحَ طَبِيبًا يُضْمِّدُ جِرَاحَ الفُقَرَاءِ، وَ تَحلُمُ الفَتَاةُ أَن تَرتَقِي فِي العِلمِ وَ المَعرِفَةِ لِتُغيِّرَ مَسِيرَةَ مُجتَمَعِهَا. يَحلُمُ الكَادِحُ بِحَيَاةٍ كَرِيمَةٍ، وَ يَحلُمُ الشَّاعِرُ بِكَلِمَةٍ تُوقِظُ القُلوبَ النَّائِمَةَ. وَ فِي كُلِّ هَذِهِ الأَحلَامِ، نَرَى بُذُورَ النُّورِ تَنمُو فِي تُربَةِ الإِنسَانِيَّةِ.

غَيرَ أَنَّه لَيسَ كُلُّ حُلمٍ مُمكِنًا تَحقِيقُهُ، فَمِن الأَمنِيَاتِ مَا يُمكِنُ الوُصُولُ إِلَيهِ بِالعَملِ وَ المُثَابَرَةِ وَ النِّضَالِ المُستمِرِّ، وَ مِنهَا مَا يَظَلُّ كَطَيفٍ يُلَامِسُ الأَمنِيَةَ وَ يَغِيبُ، كَحُلمٍ قَد يُعَانِقُ المُستَحِيلَ. لَكِن، وَ رَغمَ كُلِّ شَيءٍ، تَبقَى هَذِهِ الأَحلامُ صَادِقَةَ الفِكرِ، نَقِيَّةَ الغَرَضِ، لَا تَحمِلُ شَرًّا وَ لَا خُبثًا، بَل تَنفَعِلُ بِجَمَالِ الرُّوحِ وَ بِإِنسَانِيَّةِ الغَايَةِ.

وَ الأَحلامُ هِيَ، الَّتِي تَصنَعُ الفَرقَ بَينَ الحَيَاةِ الجَامِدَةِ وَ الحَيَاةِ الحَيَّةِ، فَبِهَا يَنهَضُ الإِنسَانُ مِن رَمَادِ الوَاقِعِ، وَ يَشرَعُ فِي بِنَاءِ غَدٍ أَفضَلَ، وَ لَولا الأَحلامُ لَمَا كَانَ لِلبَشَرِ تَارِيخٌ وَلَا حَضَارَةٌ وَ لَا قِيمٌ. فَفِي كُلِّ مُخترَعٍ عَظِيمٍ، وَفِي كُلِّ كِتَابٍ خَالِدٍ، وَ فِي كُلِّ ثَورَةٍ عَادِلَةٍ، كَانَ هُنَاكَ حُلمٌ نَقِيٌّ يَنبُضُ فِي صَدرِ إِنسَانٍ مَا.

إِنَّ الحَيَاةَ مِن غَيرِ حُلمٍ تُصبِحُ صَحرَاءَ جَافَّةً، تَفتَقِرُ لِلمَاءِ وَ الخُضرَةِ، وَ إِنَّ البَشَرَ مِن دُونِ أَملٍ يَتَحَوَّلُونَ إِلَى أَجسَادٍ تَمشِي بِدُونِ رُوحٍ. فَلنُحَافِظْ عَلَى أَحلَامِنَا، وَ لنَزْرَعْهَا فِي أَرضِ العَمَلِ وَ الاجتِهَادِ، وَ لنُؤمِنْ بِأَنَّ البَرَاءَةَ فِي الأَملِ أَجمَلُ مَا فِينَا.

تعليقات