القائمة الرئيسية

الصفحات



بقلم: محمد علي إبراهيم


يا من غيَّبك الهوى في دروب العصيان، ولفّك الليل بستر الرحمن، أما آن لقلبك أن يفيق؟ أما آن لعقلك أن يتدبر؟!

لقد أوشك رصيدك على النفاد... رصيد الستر، ذاك الرصيد الإلهي الذي لا يُشترى، ولا يُكتسب بكدّ ولا سعي، بل هو فيض من عطاء الله، يمُنّ به على العاصي قبل المطيع، ويهبه للمذنب قبل التائب.


كم مرة سترتَ، وكم ذنبًا غطّاه جلال الله عن أعين الخلق؟ كم خطيئةً أخفيتَ، وكم موبقةً لم تُفضح؟

إنه الله... الحليم، الستّير، الذي "يَسْتُرُ عَلى العَبْدِ فِي الدُّنْيَا، فَيَسْتُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ" كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري.

وهو القائل في محكم التنزيل:

"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" [غافر: 19].


فيا من اغتررت بستر الله، اعلم أن الستر ليس رضا، وليس دلالة قبول، بل هو إنذار... ومهلة... واختبار.

إنه رصيد، لكن لكل رصيد حد، ولكل مهلة أجل، ولكل حلمٍ نهاية.

فإياك أن تطمئن لغفلتك، أو تأنس بلحظة ستر، فإن الله يُمهل، ولا يُهمل، وإن العدل إذا حان، جفّ القلم، وطُويت الصحائف، وفُضحت السرائر.


قف مع نفسك وقفة صدق، وتأمل:

لو كشف الله ستره عنك لحظة... كيف سيكون حالك؟

لو أظهر للناس ما خبأت، وفضح ما استترت به، أين تذهب؟ ومن يحميك؟

أترضاها على نفسك، وقد رضيت بها على ربك حين عصيته وهو يراك، وخالفته وهو يسترك؟


عد إلى الله قبل أن يُكشف الغطاء، ويُسحب الستار، وتُبدي السماء ما أخفته الأرض.

تب إلى ربٍّ كريم، يُحب التوابين، ويغفر الزلات، ويفرح بدمعة الندم، ويقبل اعتذار القلوب المنكسرة.

فلا تجعل آخر رصيدك فضيحة، بل اختمه بتوبة نصوح... لعل الله يُبدّل سواد السر بياض العفو.

تعليقات