القائمة الرئيسية

الصفحات

بَيْنَ الخِيَارِ وَالمَسْؤُولِيَّة

بقَلَمِ فُؤَاد زَادْيكى

يُعَدُّ الخِيَارُ وَ المَسْؤُولِيَّةُ مِنَ المُفَاهِيمِ الجَوْهَرِيَّةِ فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ، وَ هُمَا يَتَقَاطَعَانِ فِي العَدِيدِ مِنَ المَوَاقِفِ، لَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي جَوْهَرِهِمَا وَ تَطْبِيقَاتِهِمَا. فَالخِيَارُ يَعْنِي القُدْرَةَ عَلَى الانْتِقَاءِ وَ اتِّخَاذِ القَرَارِ بِشَكْلٍ حُرٍّ، فِيمَا تَتَطَلَّبُ المَسْؤُولِيَّةُ التِزَامًا نَتِيجَةَ هَذَا الخِيَارِ.
عِنْدَمَا يَقُومُ الفَرْدُ بِاتِّخَاذِ قَرَارٍ مَا، فَإِنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِحُرِّيَّةِ الخِيَارِ، وَ لَكِنْ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ يُلْزِمُ نَفْسَهُ بِتَبِعَاتِ هَذَا القَرَارِ. فَمَثَلًا، إِذَا اخْتَارَ شَخْصٌ دِرَاسَةَ تَخَصُّصٍ مُعَيَّنٍ، فَهُوَ مُلْزَمٌ بِالمَسْؤُولِيَّةِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذَا الخِيَارِ، مِثْلَ الجِدِّ وَ المُثَابَرَةِ وَ الاجْتِهَادِ فِي الدِّرَاسَةِ.

فِي العَلَاقَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، يَتِمُّ مَزْجُ الخِيَارِ وَ المَسْؤُولِيَّةِ بِشَكْلٍ دَقِيقٍ، فَالعَلاقَاتُ الإِنْسَانِيَّةُ تَعْتَمِدُ عَلَى القُدْرَةِ عَلَى اخْتِيَارِ كَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ، لَكِنَّ هَذَا الخِيَارَ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ وَاجِبَاتٍ وَ مَسْؤُولِيَّاتٍ. فَالصَّدَاقَةُ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ اخْتِيَارِ أَشْخَاصٍ نُحِبُّهُمْ، بَلْ هِيَ التِزَامٌ بِالمُوَافَاةِ وَ الدَّعْمِ وَ الصِّدْقِ فِي التَّعَامُلِ.

أَمَّا فِي مَسْؤُولِيَّتِنَا تُجَاهَ أَنْفُسِنَا، فَإِنَّ الخِيَارَ يَكُونُ فِي طُرُقِ تَطْوِيرِ الذَّاتِ وَ تَحْسِينِ الحَيَاةِ، وَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ أَنْ يَكُونَ مُدْرِكًا لِأَنَّ خِيَارَاتِهِ تَحْمِلُ مَعَهَا المَسْؤُولِيَّةَ. فَإِذَا اخْتَارَ شَخْصٌ تَنْظِيمَ وَقْتِهِ وَ تَحْدِيدَ أَهْدَافِهِ، فَإِنَّهُ يُحَتِّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا بِتَطْبِيقِ هَذِهِ الخُطَطِ بِجِدِّيَّةٍ.

أَمَّا فِي المَجَالِ العَمَلِيِّ، فَالمَسْؤُولِيَّةُ تُصْبِحُ أَكْثَرَ وَضُوحًا، حَيْثُ يُفْرَضُ عَلَى العَامِلِ أَنْ يَقُومَ بِوَاجِبَاتِهِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ، وَ يَكُونَ خِيَارُهُ مُتَرَافِقًا مَعَ تَحَمُّلِ النَّتَائِجِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَى أَعْمَالِهِ. فَالقِيَادَةُ، مَثَلًا، لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَنْصِبٍ يُخْتَارُ لَهُ الشَّخْصُ، بَلْ هِيَ مَسْؤُولِيَّةٌ كَبِيرَةٌ فِي تَوْجِيهِ الآخَرِينَ وَ اتِّخَاذِ القَرَارَاتِ الصَّائِبَةِ.

لِذَلِكَ، فَإِنَّ المُوَازَنَةَ بَيْنَ الخِيَارِ وَ المَسْؤُولِيَّةِ تَعْتَبِرُ مِنْ أَهَمِّ المَهَارَاتِ التِي يَجِبُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا الفَرْدُ فِي حَيَاتِهِ، فَإِدْرَاكُ العَلاقَةِ بَيْنَهُمَا يُسَاعِدُ فِي تَحْقِيقِ تَوَازُنٍ صَحِيحٍ بَيْنَ حُرِّيَّةِ الاخْتِيَارِ وَ التِزَامِ الوَاجِبَاتِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى مُجْتَمَعٍ أَكْثَرَ تَحَمُّلًا لِلمَسْؤُولِيَّةِ وَ أَفْرَادٍ أَكْثَرَ قُدْرَةً عَلَى اتِّخَاذِ القَرَارَاتِ الصَّائِبَةِ.

تعليقات