حلقة اليوم : رسائل من قلب الليل
في إحدى الليالي الباردة من ليالي رمضان، كان "ياسين" يجلس وحيدًا في غرفة صغيرة بأطراف المدينة. كان الظلام يحيط بالمكان، باستثناء ضوء خافت يتسلل من مصباح قديم على الطاولة. السكون يلفّ الغرفة، لكنه لم يكن سكونًا مطمئنًا، بل كان ثقيلًا مثل وزن الذكريات التي يحملها ياسين على كتفيه.
ياسين، ذلك الشاب الذي أنهكته الحياة، هرب من ماضيه الذي ترك فيه جروحًا كثيرة. أفعال ندم عليها، أناس ظلمهم، وذنوب أحاطت بقلبه كحبل يزداد ضيقًا كلما حاول التحرر. كان يشعر بأن الله قد ابتعد عنه، أو هكذا أوهمه الشيطان.
في الليلة الأولى، وبينما كان ياسين يحدق في اللاشيء، انتبه إلى ظرف صغير منزلق من تحت باب غرفته. حمله بحذر، وفي داخله ورقة مكتوب عليها بخط جميل:
"إن الله قريب من القلوب التي تعود إليه."
شعر ياسين بقشعريرة تسري في جسده. نظر من النافذة، ثم فتح الباب، لكن لم يكن هناك أحد.
اعتبر الأمر صدفة، وألقى الورقة جانبًا. لكن مع ذلك، بقيت الكلمات تردد في ذهنه طوال الليل.
في الليلة التالية، كان ياسين يفكر في الرسالة الأولى. وبينما الساعة تقترب من منتصف الليل، وجد ظرفًا آخر منزلقًا من تحت الباب. فتحه هذه المرة دون تردد، وقرأ:
"التوبة باب لا يُغلق، ولكن هل ستطرقه؟"
بدأ قلبه ينبض بسرعة. كانت الرسالة تخاطبه مباشرة. أخذ ينظر حوله في حيرة. من الذي يعرف ما يمر به؟ وكيف يصل إلى غرفته؟
جلس في مكانه طويلاً تلك الليلة، تتزاحم الأسئلة في ذهنه، وتتصارع مع شعور غريب بالرغبة في الصلاة لأول مرة منذ سنوات.
مع تكرار الليالي، أصبحت الرسائل تظهر بانتظام. في كل ليلة، كانت تحثه على مواجهة ماضيه والتصالح مع نفسه.
"لا تخف من ذنوبك، بل خف من الاستسلام لها."
"إن الله يحب التائبين أكثر مما يحب المُحسنين."
في البداية، كان ياسين يقاوم. لم يكن يظن أن قلبه قادر على العودة، لكنه كان يشعر أن الرسائل تحاوطه، تدعوه، وتخترق جدران الخوف والإنكار التي بناها.
في ليلة القدر، استيقظ ياسين على صوت طرق خفيف على نافذته. فتح النافذة، فوجد ظرفًا صغيرًا معلقًا بخيط. فتحه وقرأ:
"اذكر الله في هذا الليل المبارك، وسيفتح لك أبواب النور."
كانت الرسالة الأخيرة بمثابة دعوة نهائية. وقف ياسين، واستجمع شتات قلبه، ثم توضأ لأول مرة منذ سنوات طويلة. ببطء، مد سجادة الصلاة، وكأن الأرض التي تحت قدميه تشهد ولادته من جديد.
في تلك اللحظة، وأثناء السجود، انفجر بالبكاء. شعر أن كل ذنب كان يحمله قد بدأ يتلاشى. كانت الصلاة الأولى ثقيلة بالبكاء، لكنها أيضًا خفيفة كأنها حررته من سنوات من الألم.
عندما استيقظ في الصباح، لم يجد أثرًا لأي من الرسائل. كانت ظروفها مختفية، وكأنها لم تكن يومًا. تساءل ياسين إن كانت تلك الرسائل حقيقة أم أنها رحمة إلهية خاطبته في وحدته. لكنه أدرك شيئًا واحدًا: الرسائل كانت من الله، بطريقة لا يعلمها، وكانت دعوة ليعود إليه.
منذ تلك الليلة، بدأ ياسين رحلة جديدة. لم يعد يهرب من ماضيه، بل واجهه بالتوبة والعمل الصالح. أصبح من رواد المسجد، ينشر الخير بين الناس، ويحكي لهم عن تلك الرسائل التي أخرجته من ظلام الليل إلى نور الهداية.
هكذا، كانت "رسائل من قلب الليل" مفتاحًا لتغيير حياته، ودرسًا بأن الله دائمًا قريب، يُرسل لمن يشاء من عباده نورًا يقودهم للعودة، ولو كانوا غارقين في الظلام.
تعليقات
إرسال تعليق