القائمة الرئيسية

الصفحات

مَجْدُ الحَرفِ

بقلم: فؤاد زاديكى

مجدُ الحرفِ هُوَ السرُّ، الذي ينبضُ في قلبِ اللغةِ، و يعكسُ بصدقٍ عظمةَ الكلماتِ و جلالَها. الحرفُ هُوَ اللّبِنَةُ الأولى في بناءِ أفكارِ الشاعرِ، و هو الأداةُ التي يُقدّمُ بها رؤاهُ و أحاسيسَهُ. الشاعرُ هو صاحبُ الكلمةِ القادرةِ على الإلهامِ و التّأثيرِ، و هو الذي يستطيعُ أن يأخذَ الحروفَ المتناثرةَ و يوظّفها لتصبحَ لحنًا يعزفُ على أوتارِ القلوبِ. بكلِّ حرفٍ، يعبّرُ الشاعرُ عن لواعجِ نفسهِ و أحلامهُ، و يبني عوالمَهُ الخاصّةَ، التي قد تكونُ مَليئةً بالجمالِ أو الحزنِ أو التّفاؤلِ.
إنّ إبداعَ الشاعرِ يتجسدُ في قُدرتهِ على إبرازِ الجمالِ الكامنِ في الكلماتِ، و تحويرِها لتشكيلِ صُورةٍ ذِهنيةٍ تبقى في ذِهنِ المتلقّي. الشاعرُ لا يكتبُ فقط، بل يعزفُ على مفرداتهِ كما يعزفُ العازفُ على آلتهِ الموسيقيّةِ، يبني من كلِّ حرفٍ لحنًا، و من كلِّ جملةٍ نَغمةً. الحرفُ يُصبِحُ من خلالهِ أداةً سِحريّةً، قادرةً على نقلِ المعاني و المشاعرِ دون الحاجةِ إلى تفسيرٍ.

و مجدُ الحرفِ لا يتوقّفُ عند مجرّدِ رسمِ الكلماتِ على الورقِ، بل يمتدُّ إلى قُدرةِ الشاعرِ على تَحويلِ هذه الكلماتِ إلى رسائلَ تدُورُ حولَ الزّمانِ و المكانِ، تنقلُ الحكمةَ و تكشفُ عن أسرارِ الحياةِ. يكمُنُ إبداعُ الشاعرِ في تمكّنهِ من خلقِ الصّورِ و الرّموزِ، التي تنبضُ بالحياةِ، في قُدرةِ شعرِهِ على اختراقِ الزّمانِ و المكانِ، ليصلَ إلى القلوبِ مباشرةً.

في شعرِهِ، يستطيعُ الشاعرُ أن يصيغَ لغةً مشحونةً بالعاطفةِ، و يلعبَ على المتناقضاتِ، فالحزنُ يُصبِحُ أملًا، و الظّلامُ يتحوّلُ إلى نورٍ. الكلمةُ بالنسبةِ لهُ هي سلاحٌ، يُواجِهُ بها الظّلمَ، و يعبّرُ مِن خلالِها عن تطلّعاتهِ، و يحتجُّ على الواقعِ. إنّها بريقٌ ساطعٌ يُنيرُ الدُّروبَ المُظلِمَةَ.

يُعتبَرُ مجدُ الحرفِ ذا قيمةٍ خالدةٍ، فهو لا يقتصرُ على التّسليةِ أو الفائدةِ اللحظيةِ، بل يُصبحُ إرثًا أدبيًّا و ثقافيًّا تَتناقَلُه الأجيالُ. الشاعرُ هو من يَرسُمُ الطّريقَ للمستقبلِ بعينينِ تَرَيانِ ما وراءَ الأفقِ، و قلبٍ يَنبِضُ بأمَلٍ لا يَتَوَقّفُ.

المانيا في ٢٩ يناير ٢٥

تعليقات