بقلم : على فتحى
منذ أن أزاح التلفزيون الراديو عن عرشه في منتصف القرن الماضي، أصبح رمزًا لهيمنة الصورة على الصوت. ومع ذلك، فإن المشهد الإعلامي اليوم يتغير بسرعة، مدفوعًا بثورة التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي. فهل يواجه التلفزيون مصير الراديو؟ أم يمكنه أن يعيد تعريف دوره في عالم يتغير كل لحظة؟
مع تطور الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان المنصات الرقمية فهم تفضيلات الجمهور بشكل لم يسبق له مثيل. تقدم الخوارزميات محتوى شخصيًا لكل مستخدم، بناءً على تاريخه ومشاهداته السابقة. على سبيل المثال، منصات مثل نتفليكس ويوتيوب تعتمد على تقنيات التعلم الآلي لتوصية المشاهدين بمحتوى مناسب لهم، مما يجعل التجربة أكثر خصوصية وإدمانًا.
في المقابل، لا يزال التلفزيون يعتمد على جدول بث محدد مسبقًا، لا يراعي تنوع الجمهور. هذا التباين يجعل التلفزيون يبدو جامدًا مقارنةً بالمرونة التي تقدمها المنصات الرقمية. لكن، هل يمكن للتلفزيون الاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟
الإجابة: نعم. يمكن للتلفزيون دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المشاهدين وتقديم برامج تتماشى مع اهتماماتهم. كما يمكنه استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المشاهدة، مثل توفير ترجمة فورية متعددة اللغات أو تطوير تقنيات تفاعلية تتيح للمشاهدين التأثير على المحتوى مباشرةً.
بدلاً من محاولة منافسة المنصات الرقمية، يمكن للتلفزيون أن يعيد تعريف نفسه كوسيلة إعلام متخصصة. على سبيل المثال:
البث المباشر: يبقى التلفزيون الخيار الأول لتغطية الأحداث الحية مثل المباريات الرياضية أو الكوارث الطبيعية، حيث يتطلب الأمر دقة وسرعة لا تنافسها المنصات الرقمية.
المحتوى المحلي: يمكن للتلفزيون أن يركز على إنتاج برامج تلبي احتياجات الجمهور المحلي، وهي ميزة لا تزال ضعيفة لدى المنصات العالمية.
كما تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي أدوات مبتكرة لصناعة محتوى جديد. يمكن إنتاج برامج وأفلام باستخدام الذكاء الاصطناعي لتقليل التكاليف وتحسين جودة الإبداع. بل يمكن أن نشهد مستقبلاً قنوات تلفزيونية تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي لإدارة جدول بث ذكي يلبي توقعات الجمهور بشكل ديناميكي.
فلم يختفِ الراديو تمامًا؛ بل تطور ليجد مكانه في منصات جديدة مثل البث الصوتي (Podcast). بالمثل، يمكن للتلفزيون أن يستفيد من التحول الرقمي لتوسيع وجوده عبر الإنترنت. تخيل قنوات تلفزيونية تبث عبر التطبيقات الرقمية فقط، وتقدم تجربة تفاعلية ومخصصة لكل مشاهد.
لا شك أن التلفزيون يواجه تحديات غير مسبوقة. لكن الاختيار بين الاندثار والتطور يعتمد على مدى استعداده للاستفادة من الأدوات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، وتحويل نقاط ضعفه إلى فرص. إذا تمكن من ذلك، فقد لا يكون التلفزيون مجرد وسيلة إعلام، بل نموذجًا جديدًا للتفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا.
هل نحن على أعتاب عصر جديد للتلفزيون؟ أم أنه سيصبح ذكرى أخرى تُضاف إلى قائمة ضحايا التطور التكنولوجي؟ الأيام القادمة تحمل الإجابة.
تعليقات
إرسال تعليق