القائمة الرئيسية

الصفحات

بقلم د.بوخالفة كريم _الجزائر

 انه علم جديد: يطلق عليه "صناعة اليأس"

_ ان ما يجري في وطننا الغالي من هجرة للكفاءات والطاقات الشبانية، و الحرڨة في قوارب الموت وغلاء المعيشة وازمة السكن والبطالة والتهميش والاستبعاد الاجتماعي الجماعي و فساد المسؤولين، و صعود الصعاليك في المناصب، و تدهور جهاز العدالة والظلم الاجتماعي وحالة الاكتئاب الجماعية، و محاربة اللغة العربية و محاربة الهوية العربية، و تمكين لغة المستعمر في الحياة اليومية و في الإدارة، و تلغيم المنظومة التربوية ،و تسلط بعض العملاء على مناصب القرار و النفوذ، و تهميش الوطنيين المخلصين، و فرض عقد من الترهيب على الشعب، و تغييب الفن الأصيل في الإعلام مقابل تشجيع فن لقيط تجاري تافه لايبني وعي واقعي بالاحداث بقدر ما هو فكر موجه بأجندة خاصة والبيرقراطية وثقافة التعطيل والتخوين والوصم الاجتماعي والطعن في الاخر وتشويه صورته واحداث التفرقة بين المدن عبر اللعب على اوتار الهويات الفرعية والجهوية والعروشية ووووو.... انما هي حرب نفسية حرب زراعة الاحباط وقبول الواقع البائس كما هو والتكيف معه انما هي من الاساليب الحديثة للسيطرة على البشر باستخدام اليات ونظريات علم النفس الاجتماعي للتحكم في سيكولوجيا الجماهير، انما هي ايضا في الاصل مخطط يدخل في سياق صناعة اليأس والاحباط لدى كافة افراد المجتمع الغير مرغوب فيهم،
و المراد من ذالك هو ترسيخ لدى جيل من الشباب عدم انتظار التغيير و البقاء على فكرة المستقبل المجهول، المراد من ذالك هو أن يصل الشباب إلى كره وطنهم و دولتهم و يصبحون عدوا لها ويشعرون بالظلم وانعدام الشعور بالوجود والاغتراب والتحطم النفسي والاحساس بالتيه والفشل والتحول الى الشكوى والتذمر دون محاولة جادة لقراءة المشكل او التفكير في الاسباب او الحلول.
 والمراد من ذالك ايضا هو إشعار هذا الجيل الشباني بالنقص في الإنتماء إلى هذا الشعب و الوطن حتى يصبح قوة مضادة ويمقت جنسيته و يشتم أصله و يكره دينه و يتمنى أيام الإستعمار الزاهرة ، انهم يجعلوننا نكفر بالوطن ونلعن اننا ولدنا فيه ونحقد عليه لانه وطن ضالم.
 إنها استراتجية صناعة اليأس بكل صفاتها ومقاييسها، وتظهر عند افراد مجتمعنا من خلال الشكوى والتذمر و العجز والاتكالية والتخوف من الجديد ومحاربته والاكتئاب الجماعي ... الخ و بعض الامثلة الشعبية المتعارف عليها والمتداولة عند الكبير والصغير خير دليل على ذلك مثلا ك:
_يلعن بو هذا البلاد كرهناها. 
_ البلاد هاذي تقول مرت بابانا متحبناش.  
 _العربي كحل الراس مافيه فايدة.
_بوطو في روما ولا في بلادنا رئيس حكومة. -إذا عربت خربت.
_ياكلني الحوت ومياكلنيش الدود.
- البلاد هادي تحب البراني.
_ لوكان تولي فرنسا نطلع حركي.
و هكذا والامثلة كثيرة ولكن اعلم انك عندما تردد تلك العبارات فإن عدوك الخبيث قد نجح في مهمته نجح في وضعك في حصار نفسي وفي متاهة تجعلك تعيس وتحب تعاستك وراض بها ومتقبل لها كانها مقدرة من الله عليك.
المشكلة لا تكمن هنا في الظروف التي أشرت إليها أعلاه، وإنما في كونها أصبحت أشبه بالنهج الذي يعتمده البعض في إدارة وطن ليجعل من الثابت هدفًا (الله لا يغيّرنا نحن بخير في هذا الوضع افضل من المجهول ومن التغيير دمارًا وتخريبًا (انظر لما حدث للبلدان التي حولنا كالعراق سوريا مصر عندما ارادت التغير ماذا حدث لها حرب ودمار....الخ ) ومن طرح الأفكار التطويرية والمجدّدة (بدعة وكل بدعة ضلالة).
على مر التاريخ تتّخذ السيطرة طريقاً واضحاً ومحدّداً، وذلك من خلال خلق وعي واهم لدى الناس بانهم في وضع أفضل من غيرهم،( مثال خطاب " نحن قوة ضاربة ") ودفعهم لحماية ما هو قائم ومحاربة ما هو قادم { بالمثل القائل الموالفة ولا التالفة} ، وإيهامهم بأن عملية التغيير والتطوير من الأمور السلبية المؤذية( تذكير الشعب بما حدث في التسعينات من مجازر). وليصبحوا بشكل غير مباشر في عداوة مع ما قد ينفعهم ويخدم مستقبلهم. ثم يظهر من قلب هذا الوضع من يسهم في تطوير أدوات أو أساليب تُصعّب عليهم حياتهم التي يرغبون في تطويرها أو تحسينها. ليجدوا مع الوقت أن ما يمنعهم ويحد من رغبتهم هو ذلك الخوف الواهم الذي تم غرسه فيهم، وبأن التغيير خطر ومدمّر ولتبدأ بذلك مرحلة الإحباط واليأس وقبول الواقع الذي لن يستطيعوا تغييره.
حدّثني احدهم قبل فترة من الزمن أن هدفه كان في الحياة هو المساهمة في تغيير وتطوير العالم حين كان في العشرينيات من عمره.. وعندما بلغ الثلاثين أعاد النظر في أهدافه لتصبح مركّزة أكثر على وطنه ومحاولته مع بعض المخلصين من أبنائه للعمل على تطوير مصالحه وحمايتها.. لكنه وببلوغه مرحلة الأربعينيات وجد أن إمكانياته تسمح له فقط بأن يحاول إصلاح أسرته وأبنائه.. ليجد نفسه فيما بعد في مرحلة أخرى تتركّز حول مراجعة اهدافه المرحلية والإستراتيجية وذلك في خمسينيات العمر، وبحيث أصبح مهتمًا بمتابعة حالته الخاصة صحية كانت أم غيرها، ومُدقّقًا في التغييرات التي طرأت عليه ساعيًا لمعالجتها.. أما في محطته الراهنة - بحسب ما أشار لي وهو يخطو في الستينيات من العمر- فإنه أصبح قابلًا بما لديه وبما تُتيح له قدراته الذهنية والجسدية والنفسية للتعامل مع بيئته وظروف حياته اليومية .
إن أفعالنا منبعها أحلامنا التي تحميها آمالنا ويرعاها إصرارنا. وللسيطرة على الأفعال تقوم كثير من الأنظمة بإسقاط أحلامنا من خلال اعتبارها مثيرة للفتن، أما آمالنا فهي مجرد عبث وإصرارنا فوضى.
لا ينكر أحد بأن اليأس محطة من محطات الحياة يمر بها كثير من الناس، لكن حين يتم ترويج علاج أسوأ من المرض لاهداف مختلفة، وتتم معه عملية انكار المشكلات بدلًا من مواجهتها تصبح التكلفة مرهقة على الخاص والعام في آن واحد.
قد يكون أحد الحلول هو الانطلاق في مشروعك الخاص نحو بناء ذاتي، قادر على التعامل مع محاولات السيطرة عليك، عبر وسائل تهميش دورك أو التقليل من إمكانياتك، التي تسهم بها قوى ترى ان التغيير الذي يطور وينمي الوطن ويحمي مصالحه ويحارب الفساد ويعالج اسبابه خطر تجب محاربته من خلال بث الاحباط وزراعة اليأس.
يجب ان نقاوم ذلك ونتحصن بالأمل، وان نكون على يقين بان الأفكار لا تفنى ولا تموت، وإنما تكمن مثل البذور بانتظار أمطار زمن يتبناها ويشجعها ويجني حصادها للاستفادة من موارد الوطن المتنوعة.
ولنا في الاديب التشيكي فرانز كافكا هنا خير مقولة «سنسير حتى لو اننا نعلم اننا لن نصل.. سنسير» ممهدين الطريق لمن يأتي بعدنا، حالمًا آملًا بوطن يطير بجناحي الحرية والعدالة الاجتماعية 

تعليقات