بقلم : على فتحى
مصر بلد يتمتع بمزيج فريد من التاريخ العريق والطبيعة الساحرة التي قلما تجتمع في مكان واحد ، من الأهرامات ومعابد الأقصر وأسوان إلى الشواطئ الفيروزية في شرم الشيخ والغردقة، مرورًا بالمواقع الطبيعية مثل "صخرة التنين" في جنوب سيناء، والصحراء البيضاء في وادي الحيتان، تُقدم مصر منصة مفتوحة لصناعة أفلام تنافس أعظم إنتاجات هوليوود وبوليوود ،ولكن للأسف، لا تزال هذه الإمكانات غير مستغلة بالقدر الكافي في عالم السينما.
المواقع الطبيعية في مصر ليست مجرد خلفيات جميلة، بل هي مواقع تحمل طابعًا أسطوريًا يفتح المجال أمام رواية قصص ملهمة.
صخرة التنين، على سبيل المثال، بتكوينها الصخري الفريد وموقعها الساحر بين الجبال والبحر، يمكن أن تكون موقعًا مثاليًا لتصوير أفلام خيال علمي أو مغامرات، أما الصحراء البيضاء، فهي لوحة فنية طبيعية تبدو كأنها من كوكب آخر، مما يجعلها خيارًا مذهلًا لإنتاج أفلام خيال مستقبلي ، هذه المواقع ليست فقط فرصة لإنتاج أفلام مصرية ملهمة، بل يمكن أن تجذب شركات الإنتاج العالمية لتصوير أعمالها هنا، تمامًا كما فعلت نيوزيلندا مع سلسلة أفلام The Lord of the Rings.
إلى جانب المواقع الطبيعية، يمثل التاريخ المصري مادة خام لا تنضب لصناعة الأفلام ، مصر هي الأرض التي وُلدت فيها الأساطير ،وقصص الملوك الفراعنة مثل إخناتون وكليوباترا، والمعارك الكبرى مثل معركة قادش، وحتى القصص المرتبطة بالمعتقدات المصرية القديمة، كلها تحمل إمكانات سينمائية هائلة. هذه القصص ليست مجرد أحداث تاريخية، بل هي ملاحم إنسانية تعكس الصراع، والحب، والخيانة، والطموح، مما يجعلها مناسبة لإنتاج أفلام ملحمية تصلح لعرضها على الشاشات العالمية.
ولكن، لماذا لا نرى أفلامًا عالمية تُبرز هذه المواقع أو القصص المصرية؟
الإجابة تكمن في غياب البنية التحتية المناسبة والإدارة المحترفة لصناعة السينما
إن إنتاج فيلم عالمي يتطلب استوديوهات حديثة، معدات متطورة، وفرق عمل مُدربة على أعلى المستويات، ففي مصر ورغم التاريخ السينمائي العريق، ما زالت الصناعة تعتمد في كثير من الأحيان على تقنيات قديمة وأساليب إنتاج محدودة.
إلى جانب ذلك، هناك تحديات إدارية تتعلق بصعوبة التصاريح والإجراءات البيروقراطية التي تواجه شركات الإنتاج المحلية والعالمية عند تصوير الأفلام في مصر.
على سبيل المثال، دول مثل المغرب استطاعت أن تُصبح مركزًا رئيسيًا لتصوير الأفلام العالمية بفضل توفير التسهيلات اللازمة للشركات، ودعمها بمواقع مبهرة، وأطقم عمل مؤهلة.
من ناحية أخرى، تُعتبر السينما أداة قوية للترويج السياحي فعندما يُشاهد العالم فيلمًا يُصور في موقع طبيعي مميز، فإنه يتحول تلقائيًا إلى دعاية مجانية للمكان مثل أفلام Gladiator وGame of Thrones رفعت من شهرة المواقع التي صُورت فيها، مما أدى إلى تدفق السياح عليها.
إن مصر تمتلك كل ما تحتاجه لتحقيق هذا التأثير، ولكنها بحاجة إلى خطة واضحة ومتكاملة.
للإفادة من هذا الكنز غير المستغل، يمكن اتخاذ خطوات جادة تشمل ، تطوير استوديوهات سينمائية حديثة مجهزة بأحدث التقنيات وإنشاء أكاديميات تدريب للكوادر الفنية المحلية على استخدام أحدث المعدات والتقنيات وتسهيل إجراءات التصوير وتخفيض التكاليف لجذب شركات الإنتاج العالمية بالإضافة إلى التعاون مع شركات إنتاج كبرى مثل هوليوود وبوليوود لإنتاج أفلام ضخمة تبرز المواقع والتاريخ المصري.
كما ان تجربة الهند مع بوليوود تُظهر كيف يمكن لدولة ذات ثقافة غنية أن تتحول إلى قوة سينمائية عالمية ،استطاعت الهند تصدير ثقافتها وقصصها للعالم عبر أفلام تجمع بين الطابع المحلي والإنتاج العالمي فإذا كانت بوليوود قادرة على ذلك، فلماذا لا تكون مصر مركزًا للسينما التاريخية والملحمية التي تُعيد تعريف الفن العالمي؟
السينما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي جسر بين الثقافات وأداة اقتصادية وسياحية قوية. استغلال المواقع الطبيعية والتاريخية في مصر لصناعة أفلام عالمية يمكن أن يضع البلاد على خريطة السينما العالمية، ويُعيد للأذهان لقب "هوليوود الشرق" الذي كانت مصر تستحقه يومًا.
المسألة تحتاج فقط إلى رؤية طموحة واستثمار حقيقي لتحويل هذا الحلم إلى واقع.
تعليقات
إرسال تعليق