القائمة الرئيسية

الصفحات

إتخاذ أفضل الأسباب مع الإعتماد على الله


بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 10 نوفمبر 2024
الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد إن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو أداء الأمانة، فمن الأخلاق السامية التي نستلهمها من الهجرة النبوية هو أداء الأمانات إلى أهلها رغم أنهم كانوا من أشد الناس أذية له ولأصحابه، فترك علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فراشه، وهو أمر عجيب، هؤلاء الناس استباحوا دمه، وأرادوا قتله، بل أدموه وآذوه وطردوه، لكنه لم يشأْ قتلهم، ولم يستبح أموالهم، ولو كلفه ذلك بالمخاطرة بابن عمه، وكما أن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو الإخلاص، فمن أروع صور الإخلاص هو إخلاص أبي بكر الصديق رضي الله عنه في محبته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، وفي طريقهما إلى المدينة. 





من الذي له الشأن الأعلى، والقدح المعلى في هجرة رسول الله إلا أبا بكر، يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الهجرة فيبكي فرحا، يا لله أيبكي لأنه سيسير في موكب مهيب؟ لا وربي بل موكب مطارد مهدر دمه ولكنها الصحبة والمحبة، يدخل الغار قبله، ويمشي عن يمينه وشماله فداء وتضحية، وإقداما بلا إحجام، فاللهم ارض عنه، وجازه عن الإسلام خير الجزاء، وإحشرنا معه، وأقر أعيننا برؤياه في جنات النعيم، وكما أن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين، فمن الأخلاق التي نستلهما من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم اليقين أن الله تعالى ناصر دينه، ومعلي كلمته، ويظهر ذلك من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من سراقة وهو يتبعه، ثم يريه الله تعالى الآيات والمعجزات على صدق سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم، فيسلم.




ويوعده النبي صلى الله عليه وسلم، بوعد عجيب غريب في ذلك الموقف الرهيب أنه يوعده بسواري كسرى، فعن أبي موسى عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك "كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟" قال فلما أُتي عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه، دعا سراقة بن مالك، فألبسه إياها، وفي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم لسراقة بسواري كسرى معجزة أخرى فالإنسان الذي يبدو هاربا من وجه قومه لا يؤمل في فتح الفرس، والإستيلاء على كنوز كسرى، إلا أن يكون نبيا مرسلا، ولقد تحقق وعد الرسول صلى الله عليه وسلم له، وطالب عمر بن الخطاب بإنفاذ وعد الرسول صلى الله عليه وسلم له حين رأى سواري كسرى في الغنائم، فألبسهما عمر سراقة على ملأ من الصحابة، وقال "الحمد لله الذي سلب كسرى سواريه، وألبسهما سراقة بن جعشم" 





وكما أن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو خلق التفاؤل، وفي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التفاؤل حتى في أصعب الأمور وأخطرها، فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال، وكما أن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو التوكل على الله تعالي فإن من الأخلاق التي علمتنا إياها هجرة النبي صلى الله عليه وسلم التوكل على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب، فها هو إمام المتوكلين يعلمنا كيف التوكل لا التواكل؟ ولقد كان صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة الشريفة متوكلا على ربه، واثقا بنصره، يعلم أن الله كافيه وحسبه، ومع هذا كله لم يكن صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها بل إنه أعد خطة محكمة، ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان. 




فالقائد محمد، والمساعد أبو بكر، والفدائي علي، والتموين أسماء، والإستخبارات عبدالله، والتغطية وتعمية العدو عامر، ودليل الرحلة عبدالله بن أريقط، والمكان المؤقت غار ثور، وموعد الانطلاق بعد ثلاثة أيام، وخط السير الطريق الساحلي، وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير، وإتقان العمل، واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولا وآخرا.

تعليقات